أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

الدكتوره رانيا محمود الكيلاني استاذ علم الاجتماع الثقافي كلية الآداب جامعة طنطا : الثقافة القوة الناعمة في مواجهة العنف الرمزي الهوية الثقافية تبدأ من الوعي

الثقافه السلاح الاقوي لغرس الانتماء والتنميةوالمشاركة السياسية والمجتمعية

 
القاهرة - قناة الشمس :
في ظل ما يشهده الواقع من تغيرات فكرية وسلوكية، وتحديات تواجه الشباب في علاقتهم بالوطن والمجتمع، يظل السؤال الثقافي حاضرًا بإلحاح: كيف نُعيد للثقافة دورها الحقيقي في بناء الوعي، غرس الانتماء، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي تفتح الأبواب أحيانًا للتطرف أو العزوف عن المشاركة المجتمعية والسياسية؟ حول هذه القضايا أجرينا هذا الحوار مع الدكتورة رانيا الكيلاني، الباحثة والأكاديمية المتخصصة في الثقافة الفكرية، وصاحبة إسهامات بارزة في مواجهة الفكر المتطرف والتنمية الثقافية في المناطق العشوائية. والي نص "الحوار"



كيف ترين دور الثقافة في غرس قيم الانتماء لدى الشباب؟


الثقافة هي الجذر الأساسي لهوية الفرد، والانتماء الحقيقي لا يُبنى بالخطب أو الشعارات بل يُزرع ويترسخ عبر وعي معرفي حقيقي. الثقافة تعلّم الإنسان من هو، ما تاريخه، ما قيمه، وما دوره في مجتمعه. حين يقرأ الشاب عن تضحيات الأجيال السابقة، وعن تنوع ثقافة بلده، وعن الإنجازات التي تحققت رغم الصعوبات، يشعر تلقائيًا بالفخر والانتماء. الثقافة هنا ليست ترفًا، بل ضرورة وجودية تحفظ المجتمع من التمزق.

ما دور الثقافة في تصحيح المفاهيم المغلوطة التي قد تدفع بعض الشباب إلى العزلة أو حتى التطرف؟

المفاهيم المغلوطة تنتشر حين يغيب الوعي، والوعي لا يُصنع إلا بثقافة حية. تصحيح المفاهيم يبدأ من إعادة تقديم المعلومات في سياقها الصحيح، تفكيك الخطابات المتطرفة، والتأكيد على التنوع والتسامح كقيم أصيلة في مجتمعاتنا. حين نناقش الشباب ونعرض لهم الحقائق، ونمنحهم أدوات التفكير النقدي، يمكنهم تمييز الغث من السمين، والصحيح من المضلل.

في ظل اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، كيف يمكن توجيه الثقافة لخدمة المشاركة السياسية الواعية؟

الثقافة تُهيئ الإنسان ليكون مواطنًا فاعلًا. المشاركة السياسية لا تُولد فجأة، بل تُبنى عبر ثقافة تؤمن بالمسؤولية والحقوق والواجبات. نحتاج أن نربط السياسة بالحياة اليومية، أن نشرح للشباب كيف تؤثر اختياراتهم في مستقبلهم، وأن نبرز لهم نماذج ناجحة شاركت وغيّرت. الثقافة يجب أن تكسر الصورة النمطية عن السياسة باعتبارها مجالًا للنخب فقط.

كيف ترين أهمية الثقافة في البناء والتنمية؟

لا تنمية بلا وعي، ولا وعي بلا ثقافة. حين نُخطط لمشروع اقتصادي أو اجتماعي دون أن نفهم البنية الثقافية للمكان، نفشل. التنمية الحقيقية تشمل الإنسان، وتبدأ بتغيير طريقة تفكيره. ثقافة احترام العمل، ثقافة النظام، ثقافة التعايش، كلها أساس لبناء مجتمع منتج. الثقافة لا تستهلك، بل تُثمر.

نود أن نعرف من حضرتك عن أبرز أبحاثك التي تناولت توجيه الشباب وتصحيح الفكر.


لدي سلسلة أبحاث ميدانية تناولت علاقة الشباب بالمفاهيم الوطنية، وتأثير الإعلام والمجتمع في تشكيل وعيهم. أحد أبحاثي ركز على "إعادة بناء الانتماء عبر الثقافة المشتركة"، وآخر عن "العزلة الرقمية وتأثيرها على الهوية لدى الشباب". هذه الأبحاث أظهرت أن الشباب ليسوا بعيدين كما يُعتقد، بل هم في انتظار من يخاطبهم بلغتهم ويمنحهم الثقة.


لكِ أيضًا إسهامات واضحة في مجال الثقافة الفكرية ومواجهة التطرف... كيف تناولتِ هذا التحدي؟


التطرف لا يزدهر في بيئة ثقافية سليمة. عملت في مشروعات استهدفت الشباب في مناطق مهمشة، وركزت على تحليل خطابات التطرف الديني والسياسي والثقافي، ووضعت بدائل معرفية مبسطة تُقدَّم بلغة يفهمها الشباب. ركزت على خلق مساحات للحوار، واستعادة الثقة بالمجتمع والمؤسسات، وهذا أتى بنتائج إيجابية في أكثر من منطقة.

من الأبحاث المهمة لكِ أيضًا ما تناول مواجهة الفكر المتطرف والفقر في المناطق العشوائية... حدثينا عن ذلك.?

هذا المشروع كان من أصعب وأغنى التجارب. عملت على الجمع بين البعدين: الاجتماعي والثقافي. فكرت في كيف يمكن أن نواجه الفقر الفكري والاقتصادي معًا، عبر تمكين السكان بالمعرفة والمهارات، بالتعاون مع جمعيات مدنية. اشتغلنا على تحويل الثقافة من رفاهية إلى أداة يومية للحياة، من خلال ورش، وعروض مسرحية، وقراءات حوارية.

كيف ترين الوضع الثقافي الحالي لدى الشباب؟ هل هناك تراجع فعلي؟ وكيف يمكن معالجته؟


نعم، هناك تراجع ملحوظ، ولكن لا يجب أن نُحمّل الشباب وحدهم المسؤولية. المؤسسات، المناهج، الإعلام، كل هذه الأطراف أسهمت في تهميش الثقافة. العلاج يبدأ بإعادة ربط الثقافة بالحياة، بتوفير مكتبات في الأحياء، بأنشطة تفاعلية، وبإعطاء الشباب الفرصة لصنع المحتوى الثقافي، لا فقط استهلاكه. علينا أن نُصغي إليهم.

ما نصيحتك للشباب والباحثين في تنمية شخصيتهم الثقافية؟


أن يكون لديهم فضول معرفي لا ينطفئ. أن يقرأوا من مصادر مختلفة، أن يكتبوا، أن يتحدثوا، أن يطرحوا الأسئلة ولا يخافوا من التجربة. الثقافة ليست تراكم معلومات، بل بناء وعي وتحليل. والباحث يجب أن يتواضع أمام المعرفة، ويسعى دائمًا للربط بين الواقع والفكر.

كيف تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على وعي الشباب الثقافي والسياسي؟

هذه الوسائل سلاح ذو حدين. المشكلة ليست في الوسيلة بل في طريقة الاستخدام. البعض يستخدمها كمنصة للمعرفة وتبادل الأفكار، والبعض يغرق فيها بلا وعي. نحتاج إلى توجيه لا قمع، وتدريب على التفكير النقدي، ليُفرز الشباب بأنفسهم الغث من السمين.

ما الدور الذي يجب أن تلعبه الجامعات في بناء وعي ثقافي لدى الطلاب؟

الجامعة يجب أن تكون مؤسسة فكر لا فقط شهادات. يجب أن توفر مساحات للحوار، للأنشطة الثقافية، للانفتاح على قضايا المجتمع. التعليم لا يكتمل في القاعة فقط، بل في الورش، الندوات، المشاريع البحثية، وحتى المجموعات الطلابية الحرة.

هل المناهج التعليمية الحالية تساهم فعلًا في غرس قيم الانتماء؟

بصراحة، لا بشكل كافٍ. كثير من المناهج تقدم معلومات جافة لا تُلامس واقع الطلاب. نحتاج إلى مناهج تطرح الأسئلة، تُشجع على التفكير، تربط بين التاريخ والحاضر، وتُظهر كيف أن الوطن ليس مفهومًا مجردًا، بل تجربة حية نعيشها.

ما دور الأسرة في تشكيل الوعي الثقافي لأبنائها؟ وهل هناك فجوة بين الأجيال؟


دور الأسرة أساسي جدًا، وهي الحصن الأول. للأسف، هناك فجوة كبيرة، خاصة في ظل سيطرة التكنولوجيا على وقت الأبناء،
وانشغال الأهل. ما نحتاجه هو إعادة تفعيل الحوار داخل الأسرة، والمشاركة في أنشطة ثقافية مشتركة. الأسرة ليست فقط راعية، بل موجهة أيضًا.

ما هي التجارب الثقافية الناجحة التي يمكن تكرارها في المحافظات؟

هناك نماذج ناجحة مثل المكتبات المتنقلة، نوادي السينما الشبابية، المبادرات التي تجمع بين الفن والحوار. المهم أن تكون التجربة نابعة من واقع كل محافظة، لا أن ننسخ نموذجًا مركزيًا ونفرضه. الثقافة الحقيقية تُبنى من القاعدة.

كيف يمكن للثقافة أن تحد من الهجرة غير الشرعية بين الشباب؟

الثقافة تُعطي الشاب معنى لحياته، وتُعيد له الأمل. حين يشعر أنه ليس مجرد رقم، بل شخص له قيمة، له تاريخ وله مستقبل، لن يغامر بحياته. نحتاج إلى خطاب ثقافي يُظهر فرص الداخل لا يُضخم الخارج.

ما موقفك من توظيف الفنون في غرس الانتماء ومحاربة التطرف؟

أنا مؤمنة جدًا بهذا الاتجاه. المسرح، السينما، الموسيقى، كلها أدوات فعالة. حين يرى الشاب قصة تشبهه، أو يسمع أغنية تعبر عنه، يتفاعل ويتأثر. نحن بحاجة إلى أن نستثمر في الفنون أكثر، لا كزينة، بل كوسيلة للتغيير.

هل يمتلك الشباب اليوم قدرة حقيقية على التفكير النقدي؟


البعض نعم، والبعض الآخر لا. ما ينقصنا هو بيئة تُشجع النقد لا تُعاقبه. حين نُعلّم الطفل أن يسأل، ونُجيب على سؤاله بصدق، نُعدّه لأن يكون ناقدًا. التفكير النقدي لا يُولد، بل يُربى.

كيف يمكن تعزيز مشاركة الشباب في صياغة السياسات الثقافية؟


بإشراكهم من البداية، في التخطيط، في التنفيذ، في التقييم. لا يجب أن نظل نتحدث عن الشباب بل يجب أن نتحدث معهم، ونُتيح لهم أدوات التعبير الحقيقي. بدونهم، ستظل السياسات بعيدة عن الواقع.

ما مدى أهمية التعاون بين المؤسسات الثقافية الحكومية والمجتمع المدني؟

التعاون ضرورة وليس رفاهية. كل طرف يملك أدوات مختلفة. حين تتكامل الجهود، نصل لكل الشرائح. المؤسسات الحكومية تُوفر البنية، والمجتمع المدني يُوفر الروح والحيوية.

ختامًا، ما هو آخر أبحاثك في مجال الثقافة والفكر؟


آخر أبحاثي يدور حول "الثقافة كمقاومة ناعمة في مواجهة العنف الرمزي والمجتمعي"، ويتناول كيف يمكن للأدب والفن والممارسة الثقافية أن تكون أدوات لمواجهة اللاعدالة والفقر والتمييز، خاصة في البيئات الهشة. أحاول أن أُسلّط الضوء على أهمية الثقافة كمشروع حياة، لا مجرد نشاط جانبي.