قوة مصر الناعمة من قلب الحرب: كيف خلد الفن والإعلام نصر أكتوبر؟..

بقلم: عايدة القمش:
انتصارات أكتوبر.. حين تتحدث الأرض بلغة المجد
في صفحات التاريخ، تسكن لحظات تتجاوز الزمن، وتصبح أيقونات لا تُنسى. كانت انتصارات أكتوبر 1973 واحدة من تلك اللحظات، التي انحنى لها التاريخ إجلالًا، حين استعاد المصريون كرامتهم وسيناءهم بدماء الأبطال، و مثلما أذهل المصري القديم العالم بعبقريته الحربية في قادش ومجدو، أعاد الجندي المصري المعاصر رسم حدود العزة في معركة العبور، فجعل من قناة السويس شاهداً على إرادة لا تُقهر، ومن صحراء سيناء أرضاً تُروى بالشرف.
دراما العبور... حين تصبح المعركة بطلاً صامتاً
رغم مرور أكثر من نصف قرن على حرب أكتوبر، لا تزال تلك الملحمة مادة خصبة للأعمال الدرامية. لكن وفقاً لنقاد ومتابعين، فإن الدراما المصرية لم توفِ الحرب حقها بعد. فالأعمال التي تناولت الحرب – رغم أهميتها – تُعد محدودة قياساً بزخم الحدث وعمقه الإنساني والوطني، من "الرصاصة لا تزال في جيبي" إلى "الممر"، ومن "الطريق إلى إيلات" إلى "48 ساعة في إسرائيل"، تجلّت البطولة على الشاشة، لكنها لم تُشبع نهم الذاكرة الجماعية، ولا روت كل الحكايات.
الناقدة ماجدة خير الله ترى أن المسافة الزمنية بين كل عمل وآخر طويلة، ما يجعل تأثيرها محدودًا. بينما يشير الناقد أندرو محسن إلى أن العقبة الحقيقية لم تعد في الإنتاج، بل في إيجاد نصوص ومعالجات جديدة تعيد تقديم الحرب من زوايا لم تُطرق بعد.
مسلسلات صنعت ذاكرة وطن... وجواسيس صاروا رموزًا
التلفزيون لم يكن غائباً عن المشهد، ل كان رفيقاً لذاكرة المصريين، حيث قدم أعمالاً شكلت وجدان جيل بأكمله.
من "رأفت الهجان" إلى "دموع في عيون وقحة"، ومن "الثعلب" إلى "العميل 1001"، كشفت الدراما عن الوجه الخفي للحرب، حيث كانت الجبهة الأخرى تعج بالعمليات الاستخباراتية، وكان الجاسوس هو جندي الظل، الذي قاتل بالصمت والدهاء.
الدراما الإسرائيلية... اعتراف خجول وجراح لم تندمل
في المقابل، تناولت الدراما الإسرائيلية حرب أكتوبر بخجل واضح، إذ ركزت معظم الأعمال على الآثار النفسية للهزيمة دون التوغل في تفاصيل المعركة.
من أبرز تلك الأعمال: "ساعة الإغلاق"، "يوم الحساب"، و"عيون كبيرة"، وجميعها اكتفت بتقديم الجنود كضحايا لحرب لم يكونوا مستعدين لها، دون الغوص في الحقيقة العسكرية والسياسية.
وفي قلب هذا السجال، لا تزال شخصية أشرف مروان تثير الجدل، بين رواية إسرائيل التي قدمته كـ"ملاك أنقذها"، والفهم المصري الذي يراه وطنيًا خالصًا قدّم خدمات عظيمة لبلده.
فيلم "الملاك"، الذي عرضته نتفليكس، لم يكن مجرد فيلم، بل شرخًا جديدًا في السرد المتنازع عليه بين روايتين، لكل منهما شرفها ورؤيتها.
الفنانون... جنود في خنادق المجد
لم يكن الفن في أكتوبر مجرد خلفية وطنية، بل كان سلاحًا رديفًا قاتل في الميدان، وداوى الجراح، وغنّى للمقاومة.
محمد حمام لم يكن صوتًا فقط، بل صدى للمقاومة، حين غنّى تحت القصف "يا بيوت السويس".
تحية كاريوكا، التي كانت تهرّب الأسلحة في الأربعينات، عادت في السبعينات لتتخلى عن مجوهراتها وتضمد جراح الجنود.
نادية لطفي اقتحمت الحصار، وخلدت بطولات الجنود في "جيوش الشمس"، لتبقى صوتًا للفداء في زمن الحصار.
محمد عوض لم يكتفِ بالضحك، بل حمل الطعام والدواء إلى الجنود، وعاد بالجرحى بصمت الأبطال.
أحمد بدير دخل الحرب كمراسل، وخرج منها شاهدًا حيًا على دم الأصدقاء ووصايا الشهداء.
حمادة إمام، الفدائي الذي كان نجمًا في الملعب وضابطًا في المخابرات، استجوب الأسرى الإسرائيليين، وحمل تاريخًا لا يُنسى من الوفاء للوطن.
حرب لم تنتهِ... في الذاكرة الفنية
رغم ما قُدم، تبقى حرب أكتوبر ملحمة مفتوحة على التأويل والتوثيق، تنتظر من يُعيد تقديمها بمنظور معاصر، يربط بين التضحيات والهوية، بين النصر والإنسان.
الدراما ليست ترفًا
الدراما ليست ترفًا .. بل واجب وطني، ومسؤولية ثقافية، لأن الأمة التي لا تروي بطولاتها، ستجد من يرويها نيابة عنها، الفن، حين يتحول إلى شاهد على التاريخ، يصبح أقوى من الرصاص، هو القوة الناعمة التي تزرع الانتماء، وتشعل ذاكرة الأجيال، وتحفظ دماء الشهداء من أن تضيع في زوايا النسيان.
عايدة القمش - مديرة تحرير قناة الشمس الأوروبية
إعلامية وكاتبة سودانية، تمتلك خبرة إعلامية تمتد لأكثر من 20 عاماً تنقّلت خلالها بين مؤسسات إعلامية مرموقة، وبرزت في مجالات العمل الصحفي والتلفزيوني والإذاعي، إلى جانب الاتصال المؤسسي، والعلاقات العامة، والإعلام الإنساني، وإدارة الأزمات. أجرت العديد من الحوارات مع شخصيات عربية ودولية بارزة من مختلف الجنسيات، وكانت حاضرة بقوة في المشهد الإعلامي في كل من السودان، ودولة الإمارات العربية المتحدة، جمهورية مصر العربية، الجمهورية اليمنية، مملكة الدنمارك، وبلجيكا، ما عزّز مكانتها كواحدة من الأسماء المؤثرة في الحقل الإعلامي على المستويين العربي والدولي.
انتصارات أكتوبر.. حين تتحدث الأرض بلغة المجد
في صفحات التاريخ، تسكن لحظات تتجاوز الزمن، وتصبح أيقونات لا تُنسى. كانت انتصارات أكتوبر 1973 واحدة من تلك اللحظات، التي انحنى لها التاريخ إجلالًا، حين استعاد المصريون كرامتهم وسيناءهم بدماء الأبطال، و مثلما أذهل المصري القديم العالم بعبقريته الحربية في قادش ومجدو، أعاد الجندي المصري المعاصر رسم حدود العزة في معركة العبور، فجعل من قناة السويس شاهداً على إرادة لا تُقهر، ومن صحراء سيناء أرضاً تُروى بالشرف.
دراما العبور... حين تصبح المعركة بطلاً صامتاً
رغم مرور أكثر من نصف قرن على حرب أكتوبر، لا تزال تلك الملحمة مادة خصبة للأعمال الدرامية. لكن وفقاً لنقاد ومتابعين، فإن الدراما المصرية لم توفِ الحرب حقها بعد. فالأعمال التي تناولت الحرب – رغم أهميتها – تُعد محدودة قياساً بزخم الحدث وعمقه الإنساني والوطني، من "الرصاصة لا تزال في جيبي" إلى "الممر"، ومن "الطريق إلى إيلات" إلى "48 ساعة في إسرائيل"، تجلّت البطولة على الشاشة، لكنها لم تُشبع نهم الذاكرة الجماعية، ولا روت كل الحكايات.
الناقدة ماجدة خير الله ترى أن المسافة الزمنية بين كل عمل وآخر طويلة، ما يجعل تأثيرها محدودًا. بينما يشير الناقد أندرو محسن إلى أن العقبة الحقيقية لم تعد في الإنتاج، بل في إيجاد نصوص ومعالجات جديدة تعيد تقديم الحرب من زوايا لم تُطرق بعد.
مسلسلات صنعت ذاكرة وطن... وجواسيس صاروا رموزًا
التلفزيون لم يكن غائباً عن المشهد، ل كان رفيقاً لذاكرة المصريين، حيث قدم أعمالاً شكلت وجدان جيل بأكمله.
من "رأفت الهجان" إلى "دموع في عيون وقحة"، ومن "الثعلب" إلى "العميل 1001"، كشفت الدراما عن الوجه الخفي للحرب، حيث كانت الجبهة الأخرى تعج بالعمليات الاستخباراتية، وكان الجاسوس هو جندي الظل، الذي قاتل بالصمت والدهاء.
الدراما الإسرائيلية... اعتراف خجول وجراح لم تندمل
في المقابل، تناولت الدراما الإسرائيلية حرب أكتوبر بخجل واضح، إذ ركزت معظم الأعمال على الآثار النفسية للهزيمة دون التوغل في تفاصيل المعركة.
من أبرز تلك الأعمال: "ساعة الإغلاق"، "يوم الحساب"، و"عيون كبيرة"، وجميعها اكتفت بتقديم الجنود كضحايا لحرب لم يكونوا مستعدين لها، دون الغوص في الحقيقة العسكرية والسياسية.
وفي قلب هذا السجال، لا تزال شخصية أشرف مروان تثير الجدل، بين رواية إسرائيل التي قدمته كـ"ملاك أنقذها"، والفهم المصري الذي يراه وطنيًا خالصًا قدّم خدمات عظيمة لبلده.
فيلم "الملاك"، الذي عرضته نتفليكس، لم يكن مجرد فيلم، بل شرخًا جديدًا في السرد المتنازع عليه بين روايتين، لكل منهما شرفها ورؤيتها.
الفنانون... جنود في خنادق المجد
لم يكن الفن في أكتوبر مجرد خلفية وطنية، بل كان سلاحًا رديفًا قاتل في الميدان، وداوى الجراح، وغنّى للمقاومة.
محمد حمام لم يكن صوتًا فقط، بل صدى للمقاومة، حين غنّى تحت القصف "يا بيوت السويس".
تحية كاريوكا، التي كانت تهرّب الأسلحة في الأربعينات، عادت في السبعينات لتتخلى عن مجوهراتها وتضمد جراح الجنود.
نادية لطفي اقتحمت الحصار، وخلدت بطولات الجنود في "جيوش الشمس"، لتبقى صوتًا للفداء في زمن الحصار.
محمد عوض لم يكتفِ بالضحك، بل حمل الطعام والدواء إلى الجنود، وعاد بالجرحى بصمت الأبطال.
أحمد بدير دخل الحرب كمراسل، وخرج منها شاهدًا حيًا على دم الأصدقاء ووصايا الشهداء.
حمادة إمام، الفدائي الذي كان نجمًا في الملعب وضابطًا في المخابرات، استجوب الأسرى الإسرائيليين، وحمل تاريخًا لا يُنسى من الوفاء للوطن.
حرب لم تنتهِ... في الذاكرة الفنية
رغم ما قُدم، تبقى حرب أكتوبر ملحمة مفتوحة على التأويل والتوثيق، تنتظر من يُعيد تقديمها بمنظور معاصر، يربط بين التضحيات والهوية، بين النصر والإنسان.
الدراما ليست ترفًا
الدراما ليست ترفًا .. بل واجب وطني، ومسؤولية ثقافية، لأن الأمة التي لا تروي بطولاتها، ستجد من يرويها نيابة عنها، الفن، حين يتحول إلى شاهد على التاريخ، يصبح أقوى من الرصاص، هو القوة الناعمة التي تزرع الانتماء، وتشعل ذاكرة الأجيال، وتحفظ دماء الشهداء من أن تضيع في زوايا النسيان.
عايدة القمش - مديرة تحرير قناة الشمس الأوروبية
إعلامية وكاتبة سودانية، تمتلك خبرة إعلامية تمتد لأكثر من 20 عاماً تنقّلت خلالها بين مؤسسات إعلامية مرموقة، وبرزت في مجالات العمل الصحفي والتلفزيوني والإذاعي، إلى جانب الاتصال المؤسسي، والعلاقات العامة، والإعلام الإنساني، وإدارة الأزمات. أجرت العديد من الحوارات مع شخصيات عربية ودولية بارزة من مختلف الجنسيات، وكانت حاضرة بقوة في المشهد الإعلامي في كل من السودان، ودولة الإمارات العربية المتحدة، جمهورية مصر العربية، الجمهورية اليمنية، مملكة الدنمارك، وبلجيكا، ما عزّز مكانتها كواحدة من الأسماء المؤثرة في الحقل الإعلامي على المستويين العربي والدولي.