أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

عائدة النوباني لقاء بصديقي* الذي غاب..... التفت حولي كان الدمار شديدا... شعرت انني في احد أفلام هوليوود.

عائدة النوباني لقاء بصديقي* الذي غاب..... التفت حولي كان الدمار شديدا... شعرت انني في احد أفلام هوليوود.
 
عائدة النوباني
لقاء بصديقي* الذي غاب.....
التفت حولي كان الدمار شديدا... شعرت انني في احد أفلام هوليوود... كل شيء بالأبيض والأسود، التفت حولي لا احد، الصمت المريع لا يقطعه سوى بعض الدخان المتصاعد كشخص يتوخى ان لا يراه احد، كدت ابكي لولا ان رأيته ...كان وجهه باسما رغم تعبه من الكحة المستمرة، يده تحمل سيجارته بغير اكتراث، عيناه متعبة وكأنه لم ينم منذ أيام... هرولت اليه، كنت فقط اود النجاة من هذا الكابوس عبر عناقه والاحتماء بصدره، ضحك بصوته المألوف...
اشرت للدمار...بقلق، تذكرت انني لم اغلق التلفاز أمس وان صوت المذيع لازال يأتيني من مكان ما : - ازداد عدد الشهداء والجرحى... لم اسمع الرقم فصوته اعادني اليه..
قال : لا تقلقي ....
ابتسم بمرح، كان يستنشق الهواء بما بعمق كانه يجلس على شاطئ ما... قلت له....
الدمار يعم المكان والصوت .... قاطعني
أي صوت؟؟
قلت : القناه... المذيع.... قاطعني
اتركي هذا الهراء وانظري ....
لم اصدق ... كانت المباني تنهض من ركامها، الصورة تكتسي بالألوان الزاهية، يخرج الناس من البيوت الناهضة من الركام يخرجون من كل الاعمار... يرتدون ملابس بيضاء... كلهم ...كانوا يبتسمون ... البعض يحمل ابنه او يمسك بيد ابنته... كانوا يخرجون من تلك المباني التي كانت قبل لحظات مدمرة، الألوان عادت للصورة بكامل زهوها...نظرت اليه كان يبتسم... قال لي: منذ زمن لم نلتقي...منذ... لا ادري منذ متى اصدقاؤك يعلمون ...متى اخر مرة قرأوا لك ..
قلت : نعم منذ زمن لم ارك .... انتبهت انه رمى سيجارته...لم يعد يسعل...كان وجهه يستعيد حيويته ... كانه تخلص من مرضه وتلك الملامح المتعبة دفعه واحدة ...
تابعت : تبدوا اصغر من عمرك بكثير...
قال لي جمعت اجزائي من بعثرتها الأخيرة منذ ...منذ عام 72 ...
قلت : نعم ... كان ذلك بعد استشهادك بعام...
التفت اليّ بفضول : كان ماذا ؟
كانت الكرامة....
قال : الان نخط الكرامة...
التفت الى طفل يمسك طائرة ورقية ... يرميها في السماء فتصبح طائرة حقيقية ... تتحول الى طائر وتغيب... لم أكن أدرى أي حلم هذا...
عدت اليه: قلت أكتوبر مرة أخرى...
قاطعني قائلا : كنتِ خائفة حين حضرت...
انتبهت انني عانقته بحرارة لم اعهدها في نفسي ولم اعانق انسان بهذه الحرارة من قبل... حتى امي .... تذكرت ...امي ...امي كانت قرب التلفاز تبكي... لكن مهلا ...امي غادرت منذ سنوات طويلة ... هل اختلطت عليّ الانتفاضة بما يحدث... دمعت عيني...
قال بابتسامة معاتبة: تبكين ...
: احتاج لعناق اخر.... احمر وجهي خجلا...
عانقني بحنان اخ حقيقي... حنان لم اشعر به من قبل ابدا...وحين هدأت ابعدني قليلا ...نظر في عيني...قال انظري...
مشى قليلا فخرجت امي من باب منزل ما... كانت تمشي مع الناس كانت المباني لا تزال تنهض من الركام حتى تحولت المدينة الى مدينة أخرى، مليئة بالحياة والناس، كانوا كلهم يلوحون اليّ ويمضون مبتسمين، قال لي من بعيد وهو يلوح مثلهم : لا تنسي نحتاج الى عمل كثير في الصباح...
اجفلني صوت المذيع... يقول بما يشبه الدهشة ...بدأت المعركة على الأرض تأخذ ابعادا جديدة... كان صوته يشدني بينما كنت اراقب امي بعيني حتى لا اضيعها من بين الجموع...
الصوت عنيدا ...
:- بدأت المعركة تتجه شمالا... الطوفان ...يستمر
كنت اراها.. أمي تبتسم ككل الذاهبين، الملوحين بأيديهم ....
والصوت يعدد أسماء القرى التي اجتاحها الطوفان...
كنت تائهة ما بين الصوت الذي اسمعه من مكان ما وبين المشاهد التي اراها...
ناديت عليه ...ناديت كثيرا لكني لم اسمع سوى صوته يردد كالصدى ...
لدينا عمل كثير في الصباح...
*غسان كنفاني الذي استشهد في العام ١٩٧٢