أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

سعاد حسن العتابي · (أحلام على ناصية الموت)

سعاد  حسن العتابي  ·  (أحلام على ناصية الموت)
 










·

(أحلام على ناصية الموت)

التقيا في يوم من أيام الموت على ناصية عنوان بدون رصيف .
الصّمتُ يقتلني،ووجهك يُذكّرني بألم أمّي أبعدْ ووجهك عني ياعبد المعين هذا ماقاله حميد وهو في حالة تذمر وضيق من كل مايدور من حوله ...
ذُهِل المسكين عبد المعين من كلامه وتحيّر أين يذهب بهذا الوجه المثير لآلام الآخرين فلم يستطع عمل شيء غير أنه شاح به بنظرة إلى السّماء كأنه يقول ماذنبي أن تحّملني هذا الرأس المثقل بالهموم يالله؟
فراحَ يدندن على أوتار عوده فتبعثر النغم وتاهت أنامله ونَاحَ ...

النّهر تخلّت عنه السّماء
غدا بلا لون
لم يعدْ نهر الخير
صار مبكى للثكالى
مقبرة للورود ..
وهناك اختفى من خارطة تاريخ ضفاف العشق
وأسرار الصبايا الحدّث
وهو يشهد لهن ...
أول رعشة همسة من لمسة وقبلة
مباركا لهنّ مولد الخلود
في الحياة الدنيا والآخرة ...

آآه .. ياحميد لاقدرة لي على السّير والأرض يغطيها الملح وجروحي كثيرة لم تعدْ تحتمل
ذرّة ملح واحدة وماعدْتُ أعرف نفسي عشتُ وحيدا بين النّاس .. تائها لاأعرف ترابا أذرف دمعي عليه،جفّ الهور وفقد عصفوري القصب صوته ولم أجدْ مكانا ألتجئ إليه .
سأله حميد: لماذا لم تهرب ياعبد المعين مما أنت فيه ؟
هربت _ ياسيدي _ إلى أرض لم تعرفني ولاأعرفها من قبل وقلت: هنا لايعرف الموت طريقه إليّ .. أجل هربت فلاتستغربْ.
اقتحمتُ بستان الأحلام باحثا عن أشجار النارنج ونخيل البصرة وبين الورود التمس وجه وعطر أمي .
ومن هنا تفتحت قريحتك لكتابة الشعر؟
نعم .. لكني أضَعْتُ زمني وتاهت خطواتي وفي لحظة حبّ ضاقت روحي بالعزلة.
خرجتُ للناس أنشدُ السّلوى، الشّوارع مهجورة تشبه الموت، لاصوت يؤنس وحدتي فأخذتُ أصرخُ وأصرخُ، فَلَاحَ لي وجها استوقفني وقال:ماذا تفعل هنا بأزقة الموت ياعبد المعين؟
قلت: أهذا درب زهق الأرواح وترك الأجساد حائرة فارغة منها ؟
قال:هنا الخفافيش تحكم الأرض وتؤرّخ سالف الأيام وقادمها وتحصي الحركة
والسكون تَعّدُ أنفاس عباد الله .
قلت هي النهاية اذن ؟ هو الموت ؟
قال : الوردة إن قُطِعَتْ لابدّ أن تموت .
ماذا أفعل؟ دلّني بالله عليك .
قال : أخرجْ من صمتك ياعبد المعين، ستخرج من موتك، ومزّقْ أسمالَ الكفن، وعدْ وألْحَقْ بالأهل هناك و عليك أن تتحدّى الرّيح. وها أنا هنا احتضن الألم وأسابق الريح نحو الحياة. لنغني ياصديقي ونغازل أحلامنا لتعيث أنوثة في صحراء أرواحنا .

و فجأةً سادَ الصّمت وسقطَ العود وتناثرت أجزاؤهما تغطي أرض السّواد لتصبح حمراء قانية
بينما ابتسامة الموت الصفراء المعلّقة على جدران الوطن تقهقه عاليا على أنغام أحلام عبد المعين .

اللّوحة من أعمال الناقد والفنان التشكيلي محمد سواديimage