السودان… الحرب المنسيّة التي تهزُّ ضمير العالم.. واشنطن تكسر الصمت: قراءة جريئة في جذور الأزمة
واشنطن تستنطق الصمت: كيف تاه السودان بين الثروة المهدرة والدولة المنهارة
السودان بين أنقاض المركزية ولهيب الحرب: تشريحٌ لأزمة عمرها سبعة عقود
الحرب التي صنعها الأبناء… والبحث عن أفق النجاة
واشنطن - قناة الشمس الأوروبية :
شهد بيت الثقافة والفنون الأمريكي في العاصمة واشنطن انعقاد واحدة من أبرز الندوات الفكرية التي تناولت الأزمة السودانية بعمق غير مسبوق، تحت عنوان:"الحرب المنسيّة في السودان: تفكيك الأزمة واستشراف سيناريوهات الحل".
وقد جاءت المبادرة بتنظيم من السيدة سهيلة رزق، التي حرصت على توفير مناخ جاد وموضوعي للنقاش، بينما أدار الجلسة الإعلامي والخبير السياسي رابح فيلالي، المعروف بقراءته المتقدمة للمشهد السوداني وعلاقاته الممتدة مع قيادات تاريخية مثل الدكتور جون قرنق والدكتور منصور خالد.
حضور نوعي ونقاشات متخصصة
أقيمت الندوة بحضور نخبة واسعة من الأكاديميين والخبراء والمهتمين بالشأن السوداني. وشارك في المنصة كلٌّ من:
الدكتور أسامة أحمد المصطفى – باحث ومفكر متخصص في قضايا الدولة والهوية، الدكتور إبراهيم البدوي – وزير المالية الأسبق وخبير اقتصادي بارز، الدكتورة شُذى بلة مهدي – خبيرة إدارة المشروعات ومديرة قسم السودان في واشنطن، وقد تميّزت النقاشات بالعمق والشجاعة في تناول جذور الأزمة بعيدًا عن الخطابات الإنشائية، مع التركيز على التحليل العلمي والسياسي والاقتصادي.
تحليل تاريخي: دولة وُلدت بأزمة
استهل الدكتور أسامة المصطفى الجلسة بقراءة تاريخية واسعة لأسباب تكرر الصراعات في السودان، مشيراً إلى أن الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تضخم المركز وهيمنة نخبة ضيقة على السلطة والثروة منذ فجر الاستقلال.
وأوضح أن الدولة السودانية تشكلت على نموذج يشبه "الدولة الاستعمارية" من حيث مركزيتها الشديدة وعدم اعترافها بالتنوع الجهوي والثقافي. وهذا النموذج، بحسب قوله، "حوّل السودان إلى ساحة صراع مستمر بدل أن يكون دولة جامعة لأبنائها".
وتوقف المصطفى عند محطات مفصلية في تاريخ البلاد، منها: حرب الجنوب الأولى ضد حركة أنانيا، التي خلّفت قرابة نصف مليون قتيل، الحرب الثانية ضد الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق التي رفعت شعار "السودان الجديد"، وراح ضحيتها أكثر من مليوني إنسان، حرب دارفور وما شهدته من جرائم موثقة دولياً، وأكد أن الجيش السوداني، عبر تاريخه، لم يُوجِّه قوته لاستعادة أي أرض محتلة، بل وجهها بالكامل نحو الداخل ضد مواطنيه.
وختم حديثه بالتأكيد أن الفيدرالية الحقيقية وليست الشكلية، هي الخيار الوحيد القادر على كسر دورة العنف التاريخية وبناء دولة عادلة متوازنة.
الاقتصاد السوداني… مفارقة الثراء والفقر
قدّم الدكتور إبراهيم البدوي عرضًا اقتصاديًا اتسم بالواقعية، قائلاً إن السودان "واحد من أغنى دول المنطقة من حيث الموارد، لكنه يعيش بين أفقر شعوب العالم"، محملًا المسؤولية للفساد وسوء الإدارة وغياب المؤسسات.
وشرح البدوي بالتفصيل طبيعة الانهيار الاقتصادي على رأسها : سيطرة الدولة العميقة وعسكرة الاقتصاد، حيث أشار إلى أن مجموعات نافذة احتكرت قطاعات أساسية، مما حوّل الاقتصاد إلى شبكة مصالح مغلقة، وانهيار الزراعة رغم أن السودان "سلة غذاء محتملة للعالم"، ومشروعات كبرى مثل الجزيرة والرهد تُركت لتنهار، رغم قدرتها على خلق ثورة زراعية، الذهب والثروة الحيوانية… كنوز بلا دولة-حيث يذهب معظم الذهب إلى التهريب، بينما تُهمل الثروة الحيوانية الأكبر في المنطقة، وهجرة الكفاءات، حيث اعتبر البدوي هجرة مئات الآلاف من الشباب أحد أكبر خسائر الاقتصاد السوداني، وأكد أن السودان قادر على النهوض خلال فترة قصيرة نسبياً إذا: تفككت الدولة العميقة، وأعيد بناء المؤسسات، وتم تبني اقتصاد لامركزي وفيدرالي، ووُضعت سياسات تقوم على الشفافية والعدالة في توزيع الموارد
السودان بين السوء الإداري وتراكمات الفشل الذاتي.
وفي مداخلة صريحة، أكدت الدكتورة شُذى بلة مهدي أن السودان لم ينهار بسبب تدخلات خارجية كما يروج البعض، بل "بأيدي أبنائه ونخبه التي أعادت إنتاج ذات أنماط الفشل لعقود". ورأت أن المشكلة الأساسية إدارية وحوكمية بالدرجة الأولى، وأن الدولة السودانية لم تُبنَ على أسس مؤسسية، بل على أشخاص وجماعات ومراكز قوى.
وأشادت بالدور الكبير للشباب في الثورة السودانية، معتبرة أنهم قدموا نموذجًا نادرًا للوعي والإرادة الشعبية، لكن مؤسسات الدولة المنهكة لم تكن قادرة على تحويل هذه التضحيات إلى تغيير فعلي.
وختمت بأن الحل الحقيقي يبدأ من إيقاف الحرب فورًا، ثم الشروع في إصلاح شامل يعيد بناء الدولة من جذورها.
رابح فيلالي… أسئلة تقود نحو عمق الأزمة
تميّز دور مدير الندوة رابح فيلالي بقدرته على الربط بين الماضي والحاضر، ودفع النقاش إلى مستويات أكثر جرأة. إذ طرح أسئلة حرجة تمس جوهر المشكلة السودانية، وجعلت المتحدثين يكشفون ما هو أبعد من السطح السياسي والإعلامي، وقد ساعدت خبرته الطويلة في الإعلام السياسي على إعادة تشكيل النقاش بطريقة أتاحت للحضور رؤية الصورة الكاملة، بعيدًا عن التبريرات واللغة الدبلوماسية التقليدية.
المحصلة… نافذة أمل تُفتح في واشنطن
خلصت الندوة إلى مجموعة من النتائج والتوصيات الرئيسية، أهمها:
- ضرورة إنهاء الحرب عبر تفاهمات سياسية شاملة
- تبني نظام فيدرالي حقيقي يعيد التوازن بين المركز والأقاليم
- تفكيك بنية الدولة العميقة وإعادة بناء المؤسسات
- استثمار الثروة البشرية الهائلة، وخاصة الشباب
- وقف النزيف الاقتصادي ووضع سياسات عادلة لتوزيع الموارد
- إعادة الاعتبار للقضية السودانية دوليًا باعتبارها “حربًا منسية”
- بناء دولة تقوم على المواطنة المتساوية والشفافية والمساءلة
وأكد المنظمون أن هذه الندوة تأتي ضمن سلسلة فعاليات تهدف إلى إبراز الملف السوداني على الساحة الدولية، وحشد الجهود الفكرية والسياسية للمساهمة في حل الأزمة السودانية بعيدًا عن الشعارات والتجاذبات.
عناوين هامة خلال الندوة :
سهيلة رزق: إدارة محكمة وقراءة عميقة لملف منسي
رابح فيلالي: أسئلة تكشف الحقيقة بلا رتوش
شذى بلة مهدي: السودان دمّره أبناؤه قبل خصومه
السودان المفتوح على الهاوية: الفيدرالية كطوق نجاة أخير
ورشة لقراءة وطن جريح: أين يقف السودان الآن؟ وإلى أين يمضي؟
من قلب العاصمة الأمريكية… السودان تحت مجهر التحليل العميق
السودان: دولة ثرية تحكمها الفاقة… من قتل الحلم؟
جذور الأزمة: الدولة التي وُلدت معطوبة
الجيش وتاريخ الحرب ضد الداخل لا الخارج
جنوب السودان: حربان وملايين الضحايا
دارفور: الجرح الذي فضح النظام أمام العالم
الاقتصاد السوداني: ثراء بلا دولة… وموارد تُنهب بلا رقيب
الزراعة والذهب والثروة الحيوانية: كنوز ضائعة
الشباب المهاجر: رأس مال بشري مهدر
لماذا فشلت الدولة؟ دولة عميقة… قرار غائب… فساد ممتد
الفيدرالية: الحل المؤجَّل والمخرج الوحيد من نفق المركزية