أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

حين كتبها القصيدالكاتبة الروائية هدى حجاجي أحمد.

حين كتبها القصيدالكاتبة الروائية هدى حجاجي أحمد.
 حين كتبها القصيد

لم تعد تعرف إن كان الألم في رأسها أم في قلبها.
الضوضاء في الخارج تذوب داخل جمجمتها، كأن العالم كله يطرق بعنف على جدار عقلها.
تضع يدها على جبينها، تهمس:
– صداع رهيب...
لكنها تعرف أن الصداع الحقيقي ليس من قلة النوم، بل من كثرة التفكير.

يصل صوته عبر الهاتف، خفيفًا، عابرًا، كأنه لا يلمس شيئًا في داخلها:
– حلو أنا؟ وحش أنا؟ والله أنا حبيبك. لا تشكي.
ضحكته العالية تشق سكونها نصفين،
تبتسم رغماً عنها، ثم تهمس:
– نعم، حلو... لكن وجعي منك أحلى.

تتذكر آخر مرة رأته فيها، كان يضحك وهو يدخن، كأن شيئًا لا يعنيه.
قال يومها: "انسي، ما فيش حاجة تستاهل."
ومنذ تلك الليلة، صار كل شيء يستحق النسيان إلا هو.

الليلة، وحدها في الغرفة، تشعر أن الهواء ثقيل كحلمٍ انكسر نصفه.
تفتح الرسائل القديمة، تقرأ كلماته ببطء، وكأنها تشرب سمًّا قطراتٍ قطرات.
تضحك... ضحكة قصيرة، متعبة،
تقول لنفسها:
– وأنا أقرأ ما كتبتَ شككت بك، قلت لا تعرفني، وحشي؟ لا… أنت جميل جدًا حين تؤلمني.

تقوم إلى المرآة، تحدّق في عينيها، كأنها ترى فيهما امرأة غريبة.
الدموع متجمّدة، الصداع أخف،
لكن قلبها... كأنه تعلّم طريقة جديدة للوجع.

تغلق الهاتف، وتهمس أخيرًا:
– ربما كنتَ حلوًا كما قلت،
لكنني كنتُ الصدق الذي خسرته وأنت تضحك.

---

مرت أيام قليلة بعد تلك الليلة الثقيلة، والصداع لم يعد صداعًا، بل صمتًا متكلّسًا يملأ رأسها.
كانت تفتح هاتفها وتغلقه بلا سبب، كأنها تنتظر معجزة تتنفس عبر الشاشة.
ثم جاءها الخبر مصادفة…
على صفحات الجرائد، قصيدة جديدة لشاعرٍ عربيٍّ كبير، عنوانها: “امرأة تشبه الوجع”.

قرأت، وجمدت.
كل سطر فيها كان لها: ملامحها، خوفها، حتى ضحكتها التي لا تكتمل.
لم يكن ثمة شك، إنه هو… ذلك الذي كان يقول لها:
“أنا حلو؟ وحش أنا؟ والله أنا حبيبك.”

ضحكت بمرارة وهي تقرأ:

“تُوجِعُني كما توجِعُ الفكرةُ الشاعرَ…

تَشُقُّ رأسي كي تَلدَ نَصًّا لا يكتمل.”

قالوا عنه إنه عاشقٌ كبير، شاعرُ الجوائز والكلمات،
لكنها وحدها كانت تعرف أنه لم يكن يكتب القصيدة… بل كان يهرب منها.

في تلك الليلة، أطفأت الضوء وجلست أمام المرآة،
ترى وجهها على صفحةٍ من ظلٍّ، وتهمس:
– كتبني إذًا… كتبني أخيرًا، ولكن لغيري.

مرّت يدها على خدّها ببطء، كأنها تمحو شيئًا، ثم قالت بصوتٍ خافتٍ يشبه صلاةً:
– الشاعر الذي لا يجرؤ أن يعترف بامرأته في النور،
لا يستحق أن تُخلَّد في شعره، بل أن تُنسى فيه.

ثم أغلقت المجلة، وضمت رأسها كما لو كانت تواسيه.
الصداع عاد،
لكن هذه المرّة… كان وجعًا جميلًا، يشبه أن تكوني أنتِ القصيدة،
ويكون هو الشاعر… الذي فقدك إلى الأبد.

---

في تلك الليلة الأخيرة، كانت المدينة نائمة إلا قلبها.
صوت المطر يطرق زجاج النافذة كإيقاعٍ قديم لقصيدة لم تكتمل.
جلست أمام الطاولة، وبيدها قلم لم تمسكه منذ شهور.
الورق أبيض كذاكرتها حين تحاول أن تنساه…
ثم بدأت تكتب:

"أيها الشاعر الذي كتبني بالخطأ،
ثم تركني بين الحروف كاستراحة بين بيتين من وجع،
كنتُ أظن أنك تفهم الألم كما أفهمه،
أنك حين تقول (أحبك) يعني أنك ستبقى.
لكن الحب عندك كان نصًا منقوصًا،
وجملتك الأخيرة لم تصل أبداً."

توقفت قليلًا، رفعت رأسها نحو النافذة.
رأت المطر يزداد، والبرق يشق السماء كما كانت آلامها تشق الرأس ذات مساء.
تنهدت، وأكملت:

"كتبتَ عني لأنك لم تعرفني،
ولو عرفْتني، ما كتبت.
أنا لست المرأة التي تُخلّدها القصيدة،
أنا المرأة التي تُسقط الشعر عن عرشه،
التي تُعرّي اللغة من كبريائها.
ولذلك خفتَ مني، وهربتَ إلي القوافي."

ثم وضعت القلم، طوت الورقة بعناية،
كتبت على الظرف: "إليه... الذي لا يقرأ إلا نفسه."

لكنها لم تُرسل الرسالة.
وضعتها في درجٍ صغيرٍ مع بقايا من عطره، وصورةٍ باهتة، وفنجان قهوة مكسور.
ابتسمت، لأول مرة دون ألم، وقالت بهدوء:
– انتهت القصة. لم أخسره… فقط استعدت نفسي.

وفي صباح اليوم التالي،
نشرت هي قصيدتها الأولى في الصحف، موقّعة باسمها الكامل:
الكاتبة الروائية هدى حجاجي أحمد.

صور مميزة