أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

اعتراف متأخرMelvina Abo Mrad

اعتراف متأخرMelvina Abo Mrad
 اعتراف متأخر
لانها تشبهك تكرهينها ، تنتقمين من الطفلة التي بداخلك بها . تكرزين حقدك على نفسك ، من خلال ضربها بسبب و بلا سبب .
هل لانك لم تتمكني بطفولتك ان تتعلمي ؟ لم يرسلك اهلك الى مدرسة ؟ بل الى الخدمة في المنازل !!!لم تتلقىَّ منكِ قبلة ، بل الضرب المبرح . لم تنل منك غمرة او ضمة ، بل الشتيمة .
إنما أرهقت الطفلة بالعمل في المنزل، جزائها الضرب والشتيمة كانا روتين حياتها، بينما الكتب كانت صديقتها الوحيدة، والهروب إلى داخل عالمها الخاص، حيث الحرية ممكنة ولو للحظة.
كبرت البنت، تعلمت، رغم رسوبها المتكرر ، و رغم تعيرها بأنها لا تصلح للعلم، تخطت بالعزيمة كل ذلك ، كافحت، عملت خارج المنزل للهروب من الظلم.
قدمت كل راتبها لعائلتها، وعملت بعملين لتجمع المال ، حلمها الضائع، سندها .
جهازها، استقلالها، حقها في الحياة.
توافد العُرسان…كل مرة كانت الأم تبتكر سببًا لطردهم بعيدًا.
لكن الفتاة تمردت. أحبت… وأصرت على قلبها. جاء حبيبها، ومعه خوفها من رفض الأم، لكنها اظهرت شجاعة لم تعرف أنها تملكها.
في نفس الوقت و من راتبها من عملها الثاني ، تجهزت حتى لا يقال عن أهلها انهم فقراء و لم يهتموا بابنتهم و يزيد تعير على تعير ..
وضعت جهازها في بيتها الابوي ، في لحظة مشؤومة ، تخطت تلك الان خصوصية ابنتها ، فتشت بما حفظته ، ورأت ما لم يعجبها ، بل الحقد بالضغينة بنسبة أكبر و وافى .
عند عودتها، من عملها ، لم يكن هناك مساء الخير… بل الشتائم، والكلمات المرة التي تقطر سمًا على روحها ، بقولها لها :
ما هذا التبذير ، اليس البيت أولى بهذا المال ؟
لا لن ادع ابن … هذا الذي ستتزوجين به ان يتجهز من ولد لولد على حسابي …
حسابك سألتها ابنتها ، اي حساب هذا عملي الاول اعطيكي اياه ، لا اخذ منه قرشا لا ثمنا للمواصلات ، و لا ثمن سندويش اقتات به من الفجر حتى النجر …
في الليل دموعها مدرارة ، قلبها يتألم ، تسأل نفسها: 'كيف يمكن للأم أن تكون بهذه القسوة؟ منذ طفولتي، غضبها عليّ، لماذا؟ هل أنا أخطأت ؟ لكنها كان تضربني بسبب و بلا سبب، كأنها تتسلى بسادية ، ام مجرد انعكاس لطفولتها الضائعة؟'.
لم تسكت على ضيم ، في صباح اليوم التالي حاولت الام إفتعال شجار جديد ، كان الجواب صارما ،هل انا لست ابنتك حتى تضطهدينني ، هل انا ابنة حرام ؟، من خطأ افتعله ابي كنت انا نتيجته ؟ هل عثرتم علي على باب الكنيسة في ليلة ظلماء؟
كلام كالصاعقة تفاعل بأسماع الأم ، لم تعد تستطيع جوابا .
ثم جاء يوم الزواج، حدث بسلام . لم تتوقف المراقبة و المناكفة .في اليوم التالي ، أرسلت تلك الأم الأخت والخالة للتأكد من عذريتها. لكنها كانت أذكى، وضعت كل شيء في علبة مزخرفة، وفتحتها أمام الضيوف بابتسامة هادئة، تحمل ألامها بصمتٍ مكتوم.
مرت الأيام رتيبة، نفور متبادل، صمت متجذر، حتى جاء يوم الرحيل. وقبل أن تغادر روحها، همست لها أمها : 'انتِ اوعى منهم…' انتبهي لهم .
الاعتراف جاء متأخرًا، لكنه حمل الحقيقة الكاملة:
القوة لا تُمنح… بل تُصنع.
الحرية لا تُهدى… بل تُنتزع.
والروح التي صمدت وسط الظلام… وحدها تعرف طعم النصر.
ملفينا توفيق ابو مراد
عضو اتحاد الكتاب اللبنانين
٢٠٢٥/٩/٢١