أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

المهرة الحرة شهادة الميلاد بين البوح والتحوّل: قراءة في نص "اليوم وفقط..؟" للشاعرة الجزائرية حورية بن براهم بقلم: علاء الأديب

المهرة الحرة شهادة الميلاد بين البوح والتحوّل:  قراءة في نص "اليوم وفقط..؟" للشاعرة الجزائرية حورية بن براهم بقلم: علاء الأديب
 المهرة الحرة
شهادة الميلاد بين البوح والتحوّل:
قراءة في نص "اليوم وفقط..؟"
للشاعرة الجزائرية حورية بن براهم
بقلم: علاء الأديب
في نصها المكثف والشفاف "اليوم وفقط..؟"، تكتب الشاعرة حورية بن براهم شهادة ميلاد جديدة لامرأة تستعيد ذاتها من رماد القهر، وترقص على إيقاع الحلم بعد طول انطفاء. نصّها لا يندرج تحت تصنيف جنسي صارم، إذ يتقاطع فيه السرد مع الشعر، ويطفو عليه صوت داخلي نسوي يشبه المونولوغ، يجعل من البوح أداة مقاومة، ومن الاعتراف فعل تحوّل.
بين سؤال الزمن وإرادة القرار
.........................................
يفتتح النص بعبارة "اليوم وفقط..؟"، التي تتكرر مرتين وتؤدي دور العنوان الضمني، مشكّلة سؤالًا وجوديًا يعلّق الزمن بين لحظة ماضية مثقلة بالألم، ولحظة حاضرة مشبعة بالأمل. هنا، "اليوم" ليس مجرد وقت، بل هو قرار شخصي بالتحوّل، أما كلمة "فقط" فتعكس توترًا بين الحصر والانفتاح، يتعمّق باستخدام علامة الاستفهام، التي تضيف نبرة من الشكّ أو التأمّل.
تدور بقية النص حول هذا المحور: هل يُمكن للإنسان، وللمرأة تحديدًا، أن تعيد كتابة حكايتها من لحظة واحدة؟
البنية الزمنية: من العتمة إلى النور
................................................
يتوزع النص على مستويين زمنيين واضحين:
*الماضي: حيث الألم والغربة، النبوءة الغامضة، الغربة داخل المدينة، وضياع المعنى في زمن السلام الميت.
*الحاضر: حيث النهوض، وإعلان الانعتاق، واستعادة الذات، في لحظة "صار الفجر جديدًا، والصباح عيدًا".
غير أن هذا الحاضر ليس قطيعة مع الماضي، بل حصيلة نضج تراكمي، جعل من تجربة القهر حافزًا للتحول. وهنا تتجلى فكرة أدب الاعترافات النسوي: تاريخ الألم يصبح مادة لتشكيل الذات الحرة.
العرافة والمرايا الملتبسة
..................................
من المشاهد اللافتة في النص مشهد "عرافة المحطة"، التي تمثل رمزًا خصبًا للتأويل:
"تنظر في كفي مرّة تلو المرّة... مسحت بوشاحها البالي على يدي وغادرت مكسورة دون أن تتكلم!"
العرافة تمثل قوىً غيبية..اجتماعية تحاول فكّ شفرة المرأة، لكنها تفشل. ترمز إلى العين الاجتماعية التي تحكم على المرأة دون أن تفهمها، وتغادر "مكسورة" أمام تعقيد تجربتها.
بين السرد واللغة الشعرية
..................................
النص مشحون بجمالية أسلوبية تقترب من قصيدة النثر:
التكرار البنائي: "عن كذا... عن كذا..."، يُكسب النص إيقاعًا متواترًا يعكس شدة المعاناة وتراكماتها.
الانزياحات المجازية: مثل "اغتُصبت نفس"، "غربتي في مدينتي"، "ديار هجرتها إذ بالسلام مات فيها"، وهي تعبيرات تكثف دلالات القهر.
الرمزية الشفيفة: "شهادة الميلاد"، "اسم سعيدة واللقب وحيدة"، حيث السعادة وهمية والوحشة حقيقية.
النسوية من الاعتراف إلى الاحتفال
...............................................
الأنثى هنا ليست ضحية مستسلمة، بل ذاتٌ "عنيدة"، "ما انحنت"، "مستبدة بعزيمتي"، كما تقول الكاتبة. إنها تستعيد جسدها ورغبتها وقرارها في مشهد النهاية، الذي يشكل ذروة النص:
"مع إشراقة كل شمس.. أحب أن أرقص.. من هنا لآخر العمر."
الرقص فعل احتفالي، لكنه أيضًا فعل مقاومة. هو عودة إلى الحياة، لا كأنثى خاضعة، بل ككائن يملك جسده وزمنه ومساحته.
الخلاصة: ميلاد جديد بلا مستشفى
...........................................
نص "اليوم وفقط..؟" هو بمثابة شهادة ميلاد وجودية لامرأة قررت أن تكتب حياتها بيدها. ليس الميلاد هنا بيولوجيًا، بل نفسيًا، اجتماعيًا، رمزيًا. ومن بين أنقاض الغربة، والسكون، والانتظار، تنهض شخصية "سعيدة" ـ الوحيدة، الحرة، الراقصة ـ في رقصتها الأولى نحو الحرية... من هنا، حتى آخر العمر.
النص
..........
اليوم و فقط ..؟
سأحكي حكايتي ..
لصديقتي
لجارتي
لتلميذتي بالمدرسة
لعود الريحان على شرفتي
عن صمود حصوني
عن انتصار ثورتي
عن ولادة ضحكتي
و عن القرار ؟
عن عرافة المحطة ذات مرّة
تنظر في كفي مرّة تلو المرّة
تردد طلاسمها المبهمة
و بعض التأويل ممزوج بالخوف
في تقاطيع وجهي تتمعن
قالت سبحان الذي صور في أحسن صورة
مسحت بوشاحها البالي على يدي
و غادرت مكسورة دون أن تتكلم !؟
عن نفس اغتصبت
عن رحلة طالت
عن أحلام اعتلت
عن سنوات هزيلة
عن غربتي بمدينتي
عن ديار هجرتها
إذ بالسلام مات فيها
اليوم و فقط ..؟
صار الفجر جديدا
و الصباح عيدا
و الحلم طليقا
و الحب رفيقا
بعد طول انتظار ؟
ما ( انتصر الجلاد )
‏ما انحنت عنيدة
مستبدة بعزيمتي
‏تلاشت الظلمات
أمضي في شوارعي
لا ضجيج يحتلني
أعيد سيرتي الأولى .
شهادة الميلاد ..!
الإسم سعيدة
و اللقب وحيدة
المكان بلا حدود
و العنوان بلا قيود
الماضي ذكرى
و الحاضر نظرة
مع إشراقة كل شمس ..
أحب أن أرقص .. من هنا لآخر العمر .
حورية بن براهم