أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

العلاقات السعودية السورية في عهد الحزم والتجديد – من التصفيق إلى التمكين

العلاقات السعودية السورية في عهد الحزم والتجديد – من التصفيق إلى التمكين
 العلاقات السعودية السورية في عهد الحزم والتجديد – من التصفيق إلى التمكين

إعداد/ الدكتور أحمد عبد الغني الثقفي*

في لحظةٍ استثنائية من تاريخ السياسة الإقليمية، دوّى التصفيق بحرارة في قاعةٍ دوليةٍ فاخرة، وظهرت ملامح الارتياح والامتنان على وجه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. كانت اللحظة مفصلية، حين أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في قرارٍ مفاجئ، عن رفع العقوبات عن الجمهورية العربية السورية، في خطوةٍ وصفها المراقبون بأنها بداية لعودة التوازن السياسي والاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، واعتراف بأهمية الدور السوري في معادلة الأمن الإقليمي.
وقد كانت الاستجابة السعودية لتلك اللحظة مشبعة بالرمزية والدلالة، فلم تكن مجرد تصفيقه بروتوكولية، بل تعبيرًا عن موقفٍ عميق، ينبع من قراءة استراتيجية تستند إلى الحكمة السياسية السعودية الممتدة من عهد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، وحتى رؤية 2030 التي يرسم ملامحها ويقود تنفيذها ولي العهد الشاب بذكاءٍ ومرونة.

السعودية وسوريا: تاريخٌ من التفاعل والتقاطع

العلاقات السعودية السورية ليست وليدة اللحظة، بل لها جذور ضاربة في عمق التاريخ العربي المعاصر. منذ اللقاء الشهير بين الملك عبد العزيز والرئيس روزفلت، والمملكة ترسم خطوط علاقاتها الدولية على أساس من احترام السيادة، ودعم الاستقرار، والمراهنة على وحدة الصف العربي. وقد وقفت السعودية دائمًا إلى جانب الشعب السوري، سواء من خلال المواقف السياسية أو المبادرات الإنسانية، أو الدعم الاقتصادي حين كانت أبواب الشام مشرعة للتكامل.
لكن السنوات الأخيرة حملت معها زوابع إقليمية حادة، أفضت إلى تباعدٍ مؤقت بين الرياض ودمشق، نتيجة لاختلاف الرؤى حول بعض الملفات الأمنية والسياسية. ومع ذلك، لم تكن أبواب العودة مغلقة يومًا، بل كانت الرؤية السعودية تستند إلى مقولة طالما رددها دبلوماسيونا: “في السياسة لا خصومة دائمة، بل مصالح عليا، وأولويات تتغير بحسب متطلبات المرحلة”.
لحظة ترامب: لماذا التصفيق؟

حين أعلن ترامب عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، لم يكن الأمر مجرد حدث إداري، بل إشارة سياسية كبيرة تعني عودة سوريا إلى الحضور الدولي، وتخفيف العزلة المفروضة عليها، وفتح أبواب الاقتصاد السوري المنهك للتنفس من جديد. وكان من البديهي أن تنظر السعودية إلى هذا القرار بعين التقدير، كونه يتماشى مع طموحات المملكة لإعادة رسم خريطة التوازن العربي، وتجنيب المنطقة المزيد من الانهيارات والاقتتال.
تصفيق ولي العهد محمد بن سلمان كان بمثابة تأكيد علني على ترحيب المملكة بأي خطوة تساهم في استقرار سوريا، وإعادة دمجها في محيطها العربي والدولي. وكان يحمل في مضمونه رسالة مزدوجة: نحن مع الحلول السلمية، ومع استعادة الدول العربية لعافيتها، ونحن مستعدون أن نكون جزءًا من الحل لا من المشكلة.

الأبعاد الجيوسياسية والاقتصادية للقرار

رفع العقوبات لا يعني فقط تخفيف الضغط عن سوريا، بل يفتح الباب أمام تحالفات اقتصادية جديدة، ويعيد للدولة السورية قدرتها على التعامل مع المؤسسات المالية الدولية، واستقبال الاستثمارات الخارجية، ومنها الاستثمارات السعودية التي ظلت دومًا ترى في سوريا أرضًا خصبة للزراعة، والصناعة، والسياحة.
كما أن العودة إلى سوريا تمثل للسعودية فرصة لتعزيز نفوذها الاستراتيجي في قلب الشام، وخلق توازن جديد في مواجهة التمدد الإقليمي لبعض القوى غير العربية. ومن خلال شراكات متوازنة، يمكن أن تساهم الرياض في إعادة إعمار سوريا، وبناء جسور الثقة من جديد، بعد سنواتٍ من العزلة والحروب.

القيادة السعودية في موقع المبادر

ما يميز السعودية اليوم، بقيادة الأمير محمد بن سلمان، أنها لا تنتظر التحولات، بل تصنعها. ومن خلال هذه اللحظة، أكدت المملكة أنها قادرة على تحويل الأزمات إلى فرص، وأنها تؤمن بقدرة الدول العربية على تجاوز محنها متى ما وُجدت الإرادة السياسية، والدعم الأخوي الصادق.
كما أن الخطاب السياسي السعودي الجديد يتميز بالوضوح، والحزم، والانفتاح على الجميع، دون أن يتخلى عن الثوابت. وتقديم الدعم لسوريا بعد رفع العقوبات ليس تنازلاً عن أي موقف، بل تعزيز لمكانة المملكة كقوة استقرار، ومركز تأثير في محيطها العربي والدولي.

سوريا الجديدة.. وسعودية الرؤية

من المهم الإشارة إلى أن أي انفتاح سعودي على سوريا لا يكون مشروطًا، بل يقوم على أسس احترام السيادة، والحفاظ على وحدة الأرض، والعمل المشترك لمحاربة الإرهاب، والتطرف، والتدخلات الخارجية التي تمزق النسيج العربي.
وفي المقابل، فإن المملكة تتطلع إلى سوريا جديدة، قادرة على النهوض بمؤسساتها، والانفتاح على بيئتها العربية، والمشاركة بفعالية في صياغة مستقبل المنطقة، في إطار من التفاهم، والتعاون، والازدهار المشترك.

ختامًا: التصفيق لم يكن لحظة، بل إعلان مرحلة

ما بين تصفيق ولي العهد، وقرار ترامب، وانفتاح الرياض على دمشق، تتشكل ملامح مرحلة عربية جديدة. مرحلة تتجاوز الجراح، وتعانق الأمل، وتبني على أسس التلاقي لا التصادم. والمملكة، كما عهدناها، تقف في مقدمة الصفوف، تُصفّق بحب، وتبادر بعقل، وتمنح قلبها للسلام، لتظل راية العز خفاقة ما بين الرياض ودمشق.

إعداد: الدكتور أحمد عبد الغني الثقفي
أخصائي العلاقات الإعلامية الدولية – وزارة الإعلام السعودية
كاتب صحفي