أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
مديرة التخرير سعاد العتابي

سعدي يوسف: "الحركة الشعرية فقدت القوة الدافعة الذاتية, وأراها في نقطة الصفر". حوار أجراه الأديب المصري سمير الفيل.

image



* الشاعر العراقي سعدي يوسف:
الفن الحقيقي هو نوع من اللعب بالأشياء.
* مع الموسيقى أنت تخرج من باب حجرتك لترقص.
* الحركة الشعرية فقدت القوة الدافعة الذاتية, و أراها في نقطة الصفر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رحلة طويلة قطعها الشاعر العراقي سعدي يوسف منذ أصدر أول ديوان له"قرصان" سنة 1952, و حتى صدور ديوانه"أبروتيكا" وضع خلالها اسمه بقوة و جسارة علي خريطة الشعر العربي, بعدها كتب و دواوين أخري.
مشروع شعري هائل ,طموح, لشاعر أتي من جنوب البصرة, من نفس المنطقة الفوارة بالمواهب, العارمة بالخصب, التي قدمت للشاعرية العربية, شاعر فذ آخر هو بدر شاكر السياب. ربما لهذا السبب كانت ثمة علاقة متينة بينهما. بدأت بالسياسة و انتهت بالفن.
بعد انجاز مشروع شعري مثقل بالعطاءات, دخل سعدي يوسف فضاء الرواية. و هو يحدثنا هنا عن الدوافع الحقيقية وراء هذا الاقتحام. و يرفض وجود جدار صيني, أو حائط صلب يفصل بين الفنون.انه منشغل حاليا أيضا بالترجمة, و في "عمان" حيث يعيش حاليا , يشرف علبي مشروع " المدى" الذي يصدر من بيروت و تتسع لطموحات كثيرة , و أحلام متزايدة. خلال مقابلتنا كان سعدي يوسف يلعب ببراعة متناهية بالكلمات. لكنه اللعب الفريد الذي سنفهم مغزاه مع قراءتنا للحوار:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أجرى الحوار: سمير الفيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ سعدي .. هذه الانعطافة إلي رحاب الرواية , هل لها ما يبررها خاصة و أنك حققت مشروعك الشعري منذ فترة طويلة؟
** بالتأكيد لن أتحول إلي روائي معروف. لكنني في نفس لوقت لا أجد جدارا صينيا يفصل بين الأنواع الأدبية, و هناك أمثلة علي شعراء كتبوا الرواية أيضا مثل أراجون , فهو معروف كشاعر أكثر منه كروائي. و له رواية مهمة لم تترجم إلي العربية اسمها"شيوعي". و أترجم له حاليا رواية " أورليان" لوزارة الثقافة السورية.
* لكننا كنا نريد الوقوف أمام تجربتك لولوج ساحة الرواية. هل ثمة دوافع شخصية؟
** كانت هناك ذكريات حميمة, و ملاحظات هامة, و أحداث تتراكم, بحيث شعرت أن علي واجبا أساسيا هو ألا أنسي ما حدث, و وجدت أن الشكل الروائي هو المناسب, للحفاظ علي هذا التراكم, و معالجته بصورة فنية.
* ألا ترى أن روح الشعر ظلت مسيطرة علي نصك الروائي؟
** إذا كنت تعني بروح الشعر , مثلا, الشفافية في التقاط اللحظة, أو اللماحية في الاستنتاج, فأنا اعتقد أن هذه المسألة مشتركة بين الفنون جميعا. لكن لو قصدت أن اللغة الشاعرية تسيطر علي النص الروائي فهذا يعتبر خللا في صلب الرواية.
و هذا ما حرصت علي تجنبه تماما في روايتي, و اعتقد أنني نجحت في هذا إلي حد كبير.
* هل يمكن أن نطرح في هذا السياق أن الالتجاء إلي كتابة نص روائي هو محاولة لتثبيت المكان, و استحضار الوطن البعيد؟
** قدمت الرواية بانوراما في المكان, و اخترقت الزمن, و ربما حتي من حيث المنظور حاولت أن تتوغل في تضاريس الأمكنة.
البانوراما التي قدمتها تستجيب لها الرواية تماما أكثر من القصيدة التي تعتمد علي التكثيف و اللماحية,و الإمساك بالبرق / اللحظة.
الفنان يدرك أن هناك اختلافات جمة بين الشعر و الرواية و عليه أن يراعيها.
* في مختبرك الإبداعي هل كانت هناك لحظات صمت طويلة قبل الإقبال علي الكتابة, و العودة إلي الشعر؟
** دائما, ما تسبق فترة الكتابة فترات صمت قد تطول لعدة أشهر. أكون فيها غير معني بالكتابة. أظل أقرأ و أترجم و أحيانا, و أكون علي علاقة مباشرة بالطبيعة, و أمر بالأشياء العادية, و أختزن مشاهد بصرية أعرف أنني سأستدعيها في لحظة ما, و أسمع الموسيقي باستمرار . و بعد ذلك, ادخل في حالة الكتابة, و قد تستمر لأربعة أيام من الكتابة المكثفة, التي يستجيب في الشعر فيها.
* كتجربة شخصية ألم تمر بك حالة كتابة نص شعري مكتمل في جلسة واحدة؟
** عندما أبدأ بكتابة القصيدة فيجب علي أن أنهيها حتى لو كانت طويلة. و قد تستمر هذه المسألة أكثر من يوم. لكنني أظل في الجو حتى يتم انجاز العمل.و في كل الأحوال أجدني غير معني بالزمن الخارجي, الأهم عندي زمن القصيدة نفسها.
* و تقوم بعد ذلك بعملية تبييض النص؟
** أبدا.أبدا.لا أقوم بذلك, و في أكثر الأحيان لا أشطب, و أظل أحتفظ بالقصيدة في مكتبي بدون شطب.و إذا حدث شطب, استخدم" الكوريكتور" أما إذا حدث شطب فإنني أقذف بالأوراق, و ابدأ من جديد.
* أنت من الجيل الثاني الذي أتى بعد جيل رواد قصيدة التفعيلة, فمن أثر فيك أكثر: البياتي أم أسماء أخرى ربما لا تستحضرها الذاكرة؟
** تعلمت من بدر السياب أكثر من غيره. و اعتبره معلمي الأول. و علاقتي الشخصية به كانت مستمرة.
* علاقة مبعثها فني أم إنساني؟
** كانت في الأساس لها دوافع سياسية فنية, تحولت بعد ذلك إلي فنية فقط.
* ماذا تعلمت من السياب؟
** تعلمت منه كيف أكتب."جيكور", القرية الصغيرة كيف تكون الوطن الأكبر.
* ما المكان الذي يشكل لك علامة بارزة في الطفولة ؟
** جنوب البصرة, بالتحديد منطقة أبو الحسين. هي نفس المنطقة التي تقريبا. فنحن من قريتين متجاورتين و متصلتين.
* أنت في المنفى منذ فترة طويلة, فهل تقرأ لأصوات عراقية معاصرة بالداخل؟
** نعم, و أتابعها بشكل جيد, و باستمرار, سواء بالاطلاع أو بالنقد. و أنا متفائل بأن هذه الأصوات سوف تشكل خيط حرير شعري جديد في المنطقة العربية, لأنها أصوات متنوعة و طليعية, و باحثة عن القراءة.
* هل لك أن تذكر لنا بعض تلك الأسماء؟
** مسألة صعبة , لأنها كثيرة, و أنت تعرف حساسية الشعراء.
* بعد أكثر من خمسين عاما من انطلاقة حركة الشعر الجديد . كيف تراها؟و هل هي في مأزق؟
** أري أن الحركة الشعرية الآن في نقطة الصفر. و اعتقد أن موجة نصف القرن فقدت القوة الدافعة الذاتية.
الآن ينبغي التفكير جديا في انطلاقة جديدة, و تلمس الآن قناعات مختلفة, و معرفة ملامح الموجة الجديدة, و ما يصدر عنها من إرهاصات, و دراسة تلك الإرهاصات بجدية.
* لماذا كان هذا النكوص؟
** إنه شئ طبيعي جدا جدا في الآداب و الفنون . لا اعتقد أن هناك مدرسة فنية في الرسم تظل أكثر من نصف قرن. ربما تقبع في المتحف حيث يتم الاحتفاء بها تاريخيا. أما جماليا فثمة دورات مفيدة, هي التي تؤدي إلى التطور. و الحقيقة أن قوة الدفع الأولي قد تلاشت تماما. و المسألة الآن تشعر معها أن هناك حالة من البحث المضني عن مناخات أخرى.
* بالرغم من التوصيف الذي قدمته, لكن ألا تعتقد أن ثمة اجتهادات, و عطاءات مبشرة في القصيدة العربية؟
** الاجتهادات انتقلت إلي الأطراف ,فهناك حركة تحديثية ربما قد تكون مبالغة في بعض الأحيان, لكنها حقيقية. و عكس الشائع عن وجود مراكز شعرية تقليدية فإن الواقع يطرح وجود مراكز أخري في الجزيرة العربية و العرب.
* في لقاء مع بلند الحيدري. أشار لي حديثة إلى أن الهم السياسي, و البعد عن الوطن يكاد يكون افرازا عراقيا. ما رأيك؟
** بالرغم من طول فترة المنفى, إلا أنني أعتقد أنني جزء أصيل من الثقافة الوطنية في بلدي. و يظل هناك دائما ذلك التأثير المتبادل بين الداخل و الخارج, فنصوصي تصل إلى شعراء العراق , كما يحدث العكس. لا أضع ذلك الفاصل.
لكن يوجد تميز بالتأكيد لظروف الكتابة, و لوجود قدر من الحرية عندي, و حركة, و إمكانية التجريب, كما أن اختيار الموضوعات متاح لي أكثر. هذا شئ يزكي هذه المقولة. و أنت تري أنه من محافظة لأخري يكون هناك تمايز. فكيف يكون الأمر بين الوطن و خارجه. أما عن المنفي, فالأمر ليس جديد, فالثقافة العراقية و شعر المنفي يشكل احدهما الآخر. منذ زمن بعيد. فلا ننسي نفي عبد المحسن الكاظمي في القاهرة, و الرصافي, و السياب, و البياتي.
هي سلسلة متصلة تكاد تكون قد صنعت المدرسة أو شيئا من هذا القبيل, و تحولت إلى ظاهرة سياسية فنية. بل إنني أضع الجواهري في نفس الإطار مع الفارق في التناول و المعالجة.
* هذا المشوار الشعري الذي يمتد لأكثر من 45 عاما كيف تراه بصفتك ناقد في بعض الأحيان؟
** بدأ لعبا, وانتهى لعبا. لكن في المنطقة الوسطى يكمن الجهد. و هو أن تصل إلي مرحلة اللعب الحقيقي, و هو الذي استغرق معظم المرحلة.
* ماذا يعني سعدي يوسف باللعب؟
** بعد أن ترى جدية المسألة, تندفع لتتعلم العروض, و تقرأ تراثك, و تتشرب لغتك, ثم تزيد لغة أخرى, لتري ماذا يفعل الشعراء , ثم تقرأ في الفلسفة, و تقرأ دوريات في اللغة, تجد أنك تشحذ أدواتك و أنت سائر في الطريق.
تكتسب خبرة متدرجة, لكن الفن في النهاية له غرض محدد. الغاية القصوى للفن هو نوع اللعب بالأشياء, بمعني تغير في المادة الجوهرية, يستلزم هذا الأمر كثيرا من الجهد و الاطلاع.
* أنت تثير قضية خلافية الآن. فبعد أن نقول أننا توصلنا لحل مرض عن علاقة الشعر بالواقع. نسأل الآن نفس السؤال القديم : هل الشاعر ملتزم - مع طرحك لمفهوم اللعب – و ما حدود هذا الالتزام؟
** لا يوجد تناقض في هذا القول, و بين رأي عن كون الفن لعبا.الفن المطلق بشكل عام هو محاولة لإعادة تشكيل الحياة, و تغيرها للأجمل. ليكون الإنسان أكثر حيوية, و الحركة أكثر خفة, بمعني أن ثمة طموح أن يكون الإنسان لاعبا.
تنظر إلى راقصة الباليه,إنها تمشي, لكنها تكاد تمشي على الهواء, إنها قفزة التشوق للقاء المحبون. مشهد الطيران بحد ذاته هو حرية اللعب.
في الموسيقي أنت تسمع الأنغام, فتشعر بالحرية. إنك تخرج من باب حجرتك لترقص. هذا ما أعنيه باللعب المعقد و النهائي.
* خلال مسيرتك الطويلة .. ألم تحسد الروائيين علي موقعهم؟
** لماذا أحسدهم. أشعر أن ما يفعلونه, و ما أفعله ما هو إلا جهد مشترك. إنني أقرأ الرواية أكثر في الشعر.
قراءاتي في الشهرين الأخيرين تتجه إلي الرواية بنسبة تقترب من 90%.
ثم هناك حقيقة بالتأكيد يعرفها الجميع, و هي أنني مترجم روايات محترف, قد تزيد صفحات كل رواية عن 500 – 600صفحة.
* الإيقاع, كتفصيلة في شعرك. لماذا أنت كثير الالتفات إليه؟
** لقد تملكني الإيقاع من البداية, ثم قل ذلك حتى وصلت إلي قصيدة النثر.
كلام كثير يدور الآن حول هذه القضية. و ملخص رأيي أنني احترم قصيدة النثر, و أكتب فيها, ولكنني لا اعتبرها الشكل الوحيد للكتابة.
* ولماذا إذن احتلت قصيدة النثر هذه المساحة؟
** لقد ولدت بتأثير من الشعر الأوربي, وهذا نفس ما حدث مع قصيدة التفعيلة.
الأشكال تتبدل, و ثمة تحولات عميقة في مناخات النص الشعري, ولا نستطيع أن ندير ظهورنا للثقافات الأخرى. لأن الحضارات تتداخل. وما يحدث طبيعي, حيث توجد عملية مثاقفة مستمرة. لأننا لسنا منفصلين عن العالم.
الآن, الشعر الياباني بدأ ينتشر في العالم كله. لا داعي للانزعاج. الفن الحقيقي كما قلت لعب, ومن المفيد أن نتفهم قوانين اللعبة بدلا من قذف اللاعبين بالحجارة!



 0  0  173