حوار مع الكاتبة سوسن العبد ابراهيم

حاورها / طارق عبد الله علي
حوار مع الكاتبة: سوسن العبد إبراهيم ????
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نكتب لنحرر ذواتنا، لنُبقي أرواحنا حيّة وسط ما يمضي، ولنُشيد لأنفسنا عوالم نلجأ إليها حين تضيق الحياة*
تشكّل وعيي الإبداعي من الحياة ذاتها، وعلى رأسها القرآن الكريم الذي غرس في نفسي حبّ اللغة وعمقها الروحي*
أقرب نص إلى روحي هو "في لحن العشق الإلهي: مرايا الوجد وأصداء الفناء"، لأنه لم يُكتب بالعقل، بل انسكب من الروح بصدق
- هناك كاتبات يقدمن رؤى عميقة تعبّر عن تجارب النساء السودانيات في تنوعها، ويسعين لكسر الصور النمطية وفتح مساحات جديدة للبوح والتفكير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الكاتبة المتميزة «سوسن العبد إبراهيم» حالة إبداعية فريدة في مشهدنا الأدبي، تمثل الكاتبة سوسن العبد إبراهيم ذروة من ذُرى الإنسانية والتداعي الروحي، فهي حالة إبداعية متفردة تأخذ القارئ في كل نص من نصوصها إلى عوالم من التأمل والانفعال الوجداني العميق. كلما قرأت لها، وجدت نفسك أكثر ثراءً وانفعالاً
ما يثير الدهشة في كتاباتها لغتها الباذخة و طريقتها الخاصة في السرد، تطوف في التفاصيل وتُحيي ما لا يُقال ، وما يصعب التعبير عنه بالكلمات، فتجده في نصوصها مجسداً ، نابضاً بالحس والصدق. كأنها ترسم بالكلمات مشاهد كاملة، وتداوي بالحكمة أحداثاً ، وتربط ما تكتبه بالقرآن الكريم ربطاً عميقاً، لتخرج لنا أفكاراً ثرية توقظ فينا ملكة التأمل والتفكر
تملك الكاتبة العديد من المخطوطات الأدبية المميزة، التي تستحق أن تُحتفى بها كمنجز إبداعي راقٍ يُثري مكتبتنا السودانية ويضيف لقيمنا الثقافية والإنسانية
في هذا الحوار، نقترب أكثر من الكاتبة سوسن العبد إبراهيم ، ونتناول جوانب من عطائها الإنساني والإبداعي، فإلى نص الحوار:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هلا تعرفنا علي المبدعة سوسن العبد إبراهيم؟
- أنا سوسن العبد إبراهيم، من مدينة بحري – حلفاية الملوك
لا أحب أن أُعرّف نفسي كـ"كاتبة" بالمعنى التقليدي؛ فالكتابة بالنسبة لي ليست مهنة ولا لقبًا، بل وسيلة نجاة، وطريقة لمقاومة النسيان، وأحيانًا وسيلة للبقاء
أكتب لأحاور ذاتي ، ولأصغي إلى نداء داخلي لا يهدأ. أكتب حين لا أجد لغةً أخرى أُعبّر بها، وحين تضيق الحياة، تصبح الكتابة هي المتّسع
في كلماتي يمتزج الحزن بالفرح، وتلتقي البساطة بالعمق، تمامًا كما هي الحياة
أؤمن أن لكل حكاية أثرًا، ولكل كلمة نبضًا، وأن الكتابة الصادقة قادرة على الترميم، حتى حين لا تستطيع الإنقاذ
من أين بدأت رحلة الكتابة معكِ؟ وهل كانت الكتابة لديك خياراً أم قدراً؟
- بدأت رحلتي مع الكتابة من زوايا الذاكرة والروح، ولم تكن خيارًا مدروسًا، بل حاجةً ملحّة للتعبير عمّا يعتمل بداخلي
لم أكتب لأصبح كاتبة، بل كتبت لأن الصمت كان يُرهقني، وكانت الكلمات ملاذي الوحيد
الكتابة بالنسبة لي قَدَرٌ يحملني برفق، يفتح لي أبواب التأمل، ويمنحني فرصة اللقاء بذاتي الحقيقية، كلّما ضاقت بي الحياة
أظنّني لم أختر الحرف، بل هو مَن اختارني
ما الذي شكّل وعيكِ الإبداعي في البدايات؟ وهل هناك محطات أو أشخاص تركوا أثراً حاسماً في مسيرتك؟
- تشكّل وعيي الإبداعي من الحياة ذاتها؛ من الحزن، ومن تلك الصعوبات الصغيرة التي لا تُرى، ومن مزيج من التجارب والقراءات، وعلى رأسها القرآن الكريم الذي غرس في نفسي حبّ اللغة وعمقها الروحي. لم تكن المحطات التي صنعتني مجرد أماكن أو أشخاص، بل لحظات كثيفة من الألم والفرح والتأمل، لحظات أطلقت العنان لأفكاري لتتفتح وتنمو بصمت. الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل فعل نجاة. نكتب لنحرر ذواتنا، لنُبقي أرواحنا حيّة وسط ما يمضي، ولنُشيد لأنفسنا عوالم نلجأ إليها حين تضيق الحياة
ما الدور الذي تلعبه اللغة القرآنية أو الصوفية في تشكيل نصوصكِ؟
- اللغة القرآنية بالنسبة لي ليست مجرد ألفاظ، بل هي بوصلة روحية تُضيء دروب المعنى، وتمنح نصوصي إيقاعًا خاصًا، وعمقًا متجددًا، وسكينة تُلامس القلب. أستلهم من جمالها وبلاغتها ما يوقظ الروح، وأمزجها مع النفَس الصوفي الذي يضفي على كتابتي صفاءً وتأملًا. من هذا التلاقي، يتولد انسجام بين الفكر والوجدان، ويغدو النص نافذة أفتح بها قلبي على عوالم أعمق من المعنى، وأقرب إلى جوهر الإنسان
تُعرفين بعمقك المدهش وبالنفَس التأملي في نصوصك. كيف يتقاطع الإيمان والتجربة الروحية مع الكتابة لديكِ؟
- الإيمان، بالنسبة لي، هو رحلة داخلية دائمة، تجعل من الكتابة لحظة تواصل صادق بين روحي، وذاتي، والكون من حولي
أكتب سواء في لحظات السكينة أو في أعماق أوجاعي، إذ يمنحني الإيمان صدقًا وحكمة تتجاوز حدود الكلمات، فتتحوّل الكتابة إلى نبضٍ ينبع من صميم التجربة الروحية.
لديكِ العديد من المخطوطات التي لم ترَ النور بعد. هل يمكن أن تحدثينا عن هذه الأعمال؟ ما طبيعتها؟
- لديّ العديد من المخطوطات التي لم ترَ النور بعد، وهي متنوعة بطبيعتها. تتراوح بين نصوص تأملية تعكس الواقع السوداني بكل تفاصيله من فقد، وحرب، وصراعات داخلية يعيشها الإنسان يوميًا. كما تشمل أعمالًا قصصية تسرد حياة الناس في السودان بصدق وشاعرية، تحاول أن تلتقط النبض الحقيقي للمجتمع وأحلامه
بالإضافة إلى ذلك، أعمل حاليًا على مشروع خاص بالقصص الموجهة للأطفال، لأنني أؤمن بأن أدب الطفل له دور كبير في بناء الوعي الثقافي والقيمي منذ الصغر. كل هذه الأعمال تنتظر الوقت المناسب لتكتمل وتنضج، ثم أشاركها مع القراء الذين أعتز بهم
ما هو النص الأقرب إلى روحك من بين أعمالك؟ ولماذا؟
- أقرب نص إلى روحي هو "في لحن العشق الإلهي: مرايا الوجد وأصداء الفناء"، لأنه لم يُكتب بالعقل، بل انسكب من الروح بصدق. هو حالة صوفية خالصة، فيها ذوبان في المعنى، وسكون في الحضور، وانمحاءٌ تام للذات أمام عظمة المطلق. شعرتُ وأنا أكتبه أنني لا أُنشئ الكلمات، بل هي تمرُّ بي، كأنني وسيلة فقط لوصول ما لا يُقال. هذا النص يمثّلني في لحظات التأمل والطمأنينة، وهو الأقرب إلى عالمي الداخلي الذي يتوق دومًا إلى السلام والحبّ الإلهي الخالص
بصفتك كاتبة سودانية، كيف تقرئين واقع الكتابة النسوية في السودان اليوم؟
- الكتابة النسوية في السودان تمرّ بمرحلة تحوّل، حيث بدأت تفرض حضورها بشكل أوضح، رغم التحديات الاجتماعية والثقافية التي لا تزال تقيّدها. هناك كاتبات يقدمن رؤى عميقة تعبّر عن تجارب النساء السودانيات في تنوعها، ويسعين لكسر الصور النمطية وفتح مساحات جديدة للبوح والتفكير. ومع ذلك، لا يزال الطريق طويلًا نحو بناء مشهد نسوي متكامل يُعبّر بصدق عن قضايا المرأة في مختلف البيئات السودانية
كيف أثّرت التحولات السياسية والاجتماعية التي يعيشها السودان في كتابتك؟
- الحرب علّمتني أن الكتابة ليست ترفًا، بل وسيلة للبقاء
التحولات المؤلمة جعلتني أكثر صدقًا، أقلَّ تجميلًا، وأشدَّ تعلقًا بالناس البسطاء الذين لا صوت لهم
أكتب عنهم، عن وجعهم، عن نجاتهم الصامتة
السودان، في أعمق لحظاته الإنسانية، حاضرٌ في كلِّ حرفٍ أكتبه
هل تعتقدين أن الكاتب اليوم يستطيع أن يكون شاهداً حيّاً على هذا الانهيار الوجودي والاجتماعي الذي نمر به؟
- نعم، بل يجب عليه ذلك. فالكاتب الحقيقي لا يمكن أن يكون محايدًا وسط الخراب. الشهادة ليست مجرّد تسجيل للحدث، بل هي مقاومة له. حين نكتب عن الألم، عن التشظّي، عن الانكسارات العميقة في أرواح الناس، فإننا نُوثّق ما لا يُرى. الكاتب هو الذاكرة التي لا تموت، هو صوت من لا صوت له، وهو الجسر بين ما يحدث وما ينبغي أن يُفهم
نصوصك تحمل بعداً فلسفياً وتأملياً عميقاً. ما المصادر الفكرية أو الروحية التي تستقين منها هذا النفس؟
- مصادري الفكرية والروحية متشابكة ومتجددة. أستقي من القرآن الكريم نور المعنى، ومن التصوف طهارة القلب وصفاء التأمل. أجد في الفلسفة الإنسانية تساؤلات تفتح أبوابًا داخلية لا تهدأ، وفي الأدب العالمي مرآةً لتجارب الإنسان الواسعة. تلك كلها روافد تُغذي روحي، وتشكل الحبر الذي أكتب به، حبرًا ينبض بالتأمل ويعكس عمق التجربة الإنسانية
في زمن السرعة والسطحية، كيف تصرين على الكتابة بهذا العمق والبطء الجميل؟
- أنا لا أكتب لأسبق أحدًا، ولا لألحق بإيقاع العالم المتسارع
أكتب لأن الكتابة فعلُ صدق، لا يُولد تحت الضغط، ولا يُنجز بعجلة
أكتب حين تنضج الفكرة داخلي، حين يتحوّل الصمت إلى كلام، وحين يكون للكتابة معنى لا يُستعجل
البطء في كتابتي احترامٌ للمعنى، وإنصاتٌ لصوت داخلي لا يُجامل
أما العمق، فليس ترفًا، بل هو طريقتي الوحيدة لفهم هذا العالم
وسط الضجيج، أبحث عن لحظة هدوء أقول فيها شيئًا يستحق أن يُقال
لذلك، أكتب ببساطة العميق، وببطءِ مَن لا يعنيه السباق
ما الذي تسعين لتحقيقه عبر كتابتك؟ وما الحلم الذي ما زال ينتظر التحقق؟
- لا أسعى فقط لأن تلمس كتابتي العقول، بل أن تخترق القلوب، توقظ في الناس ذواتهم الغائبة، وتُعيد إليهم القدرة على الشعور بالوجود الحقيقي
أريد أن تتحوّل كلماتي إلى نبضٍ حيّ، يرفض أن يموت في زحمة الحياة، أن تكون جسرًا يربط بين الأزمنة، بين الذات والكون، بين الحلم والواقع
حُلمي لا يُقاس بالشُّهرة أو الجوائز، بل برؤية أثرٍ صغير، ولو كان هامسًا، في نفوس من يقرؤونني
حلمي أن تظلّ كتابتي ملاذًا للصمت الصادق وسط الضجيج، وأن أستمرّ في الكتابة، حتى حين تُصبح حياتي نفسها حبرًا على ورق
أن تكتبني كلماتي كما أكتبها، في حوارٍ داخلي لا ينتهي، بل يمتدّ بهدوءٍ عبر الزمن
هل تفكرين في نشر أعمالك في طبعات ورقية قريباً؟ وهل لديكِ مشاريع للنشر أو التعاون مع دور نشر محددة؟
- ربما في المستقبل، حين أشعر بأن الوقت قد نضج، سأفتح باب النشر الورقي لأعمالي. في الوقت الحالي، أُركّز على صقل النصوص والوصول بها إلى حالة من الاكتمال الفني. لا أستعجل النشر، لكنني أرحّب بأي فرصة تعاون مع دور نشر تُقدّر روح النص وتحترم خصوصيته
ما الذي تريدين قوله لجيل جديد من الكاتبات والكتّاب الذين بدأوا للتو طريقهم؟
- أقول لهم: لا تتعجّلوا الوصول، ولا تغرّنكم سرعة الزمن. استمتعوا بكل لحظة في مسيرة الكتابة، فهي رحلة روح لا تُقاس بالنتائج فقط، بل بالصدق الذي تحمله الكلمة، وبالنضج الذي ينمو مع كل حرف تكتبونه. اكتبوا بقلوبكم قبل أقلامكم، واحتفظوا بصوتكم الخاص، فهو البصمة التي تميزكم عن سواكم، فلا تسمحوا لأي صوت أن يغتال هذا الصوت
وأنا، وإن كنت أعتبر نفسي واحدة منكم، لا أزال أبحث عن طريقي وأتعلّم. فكتابة الحياة ذاتها رحلة مستمرة لا تنتهي، وأظنّ أن الصدق مع الذات هو جوهرها الحقيقي.
ختاماً .. كيف ترين علاقتك بالقارئ؟ وما نوع القارئ الذي تحلمين أن يصل إلى كتاباتك؟
- علاقتي بالقارئ هي علاقة حياة، أرى فيها انعكاس روحي وامتدادًا لأفكاري. ليست مجرد كلمات تُقرأ، بل نبض يتشارك بين كاتب وقارئ، حيث تتحول النصوص إلى جسور تعبر عبرها أرواحنا إلى عالم أعمق من الفهم والتجربة
- القارئ الذي أحلم به هو ذلك الإنسان الذي يقرأ بين السطور، يتلمّس الصمت بين الكلمات، ويجد في نصوصي مرآة لألمه وأحلامه
شخص لا يبحث عن الترف الأدبي فحسب، بل عن صدق يعانقه ويغنيه، قارئ يُحبّ أن يغوص في أعماق المعنى، ويرى في الكتابة متنفسًا لحياته الخاصة
هو ذاك الذي لا يكتفي بالسطح، بل يستشعر الإيحاءات، ويُحسّ نبض الروح في كل حرف، ويغادر الصفحة بشعور بأنه وجد رفيقًا صادقًا في رحلة الحياة
حوار مع الكاتبة: سوسن العبد إبراهيم ????
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نكتب لنحرر ذواتنا، لنُبقي أرواحنا حيّة وسط ما يمضي، ولنُشيد لأنفسنا عوالم نلجأ إليها حين تضيق الحياة*
تشكّل وعيي الإبداعي من الحياة ذاتها، وعلى رأسها القرآن الكريم الذي غرس في نفسي حبّ اللغة وعمقها الروحي*
أقرب نص إلى روحي هو "في لحن العشق الإلهي: مرايا الوجد وأصداء الفناء"، لأنه لم يُكتب بالعقل، بل انسكب من الروح بصدق
- هناك كاتبات يقدمن رؤى عميقة تعبّر عن تجارب النساء السودانيات في تنوعها، ويسعين لكسر الصور النمطية وفتح مساحات جديدة للبوح والتفكير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- الكاتبة المتميزة «سوسن العبد إبراهيم» حالة إبداعية فريدة في مشهدنا الأدبي، تمثل الكاتبة سوسن العبد إبراهيم ذروة من ذُرى الإنسانية والتداعي الروحي، فهي حالة إبداعية متفردة تأخذ القارئ في كل نص من نصوصها إلى عوالم من التأمل والانفعال الوجداني العميق. كلما قرأت لها، وجدت نفسك أكثر ثراءً وانفعالاً
ما يثير الدهشة في كتاباتها لغتها الباذخة و طريقتها الخاصة في السرد، تطوف في التفاصيل وتُحيي ما لا يُقال ، وما يصعب التعبير عنه بالكلمات، فتجده في نصوصها مجسداً ، نابضاً بالحس والصدق. كأنها ترسم بالكلمات مشاهد كاملة، وتداوي بالحكمة أحداثاً ، وتربط ما تكتبه بالقرآن الكريم ربطاً عميقاً، لتخرج لنا أفكاراً ثرية توقظ فينا ملكة التأمل والتفكر
تملك الكاتبة العديد من المخطوطات الأدبية المميزة، التي تستحق أن تُحتفى بها كمنجز إبداعي راقٍ يُثري مكتبتنا السودانية ويضيف لقيمنا الثقافية والإنسانية
في هذا الحوار، نقترب أكثر من الكاتبة سوسن العبد إبراهيم ، ونتناول جوانب من عطائها الإنساني والإبداعي، فإلى نص الحوار:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هلا تعرفنا علي المبدعة سوسن العبد إبراهيم؟
- أنا سوسن العبد إبراهيم، من مدينة بحري – حلفاية الملوك
لا أحب أن أُعرّف نفسي كـ"كاتبة" بالمعنى التقليدي؛ فالكتابة بالنسبة لي ليست مهنة ولا لقبًا، بل وسيلة نجاة، وطريقة لمقاومة النسيان، وأحيانًا وسيلة للبقاء
أكتب لأحاور ذاتي ، ولأصغي إلى نداء داخلي لا يهدأ. أكتب حين لا أجد لغةً أخرى أُعبّر بها، وحين تضيق الحياة، تصبح الكتابة هي المتّسع
في كلماتي يمتزج الحزن بالفرح، وتلتقي البساطة بالعمق، تمامًا كما هي الحياة
أؤمن أن لكل حكاية أثرًا، ولكل كلمة نبضًا، وأن الكتابة الصادقة قادرة على الترميم، حتى حين لا تستطيع الإنقاذ
من أين بدأت رحلة الكتابة معكِ؟ وهل كانت الكتابة لديك خياراً أم قدراً؟
- بدأت رحلتي مع الكتابة من زوايا الذاكرة والروح، ولم تكن خيارًا مدروسًا، بل حاجةً ملحّة للتعبير عمّا يعتمل بداخلي
لم أكتب لأصبح كاتبة، بل كتبت لأن الصمت كان يُرهقني، وكانت الكلمات ملاذي الوحيد
الكتابة بالنسبة لي قَدَرٌ يحملني برفق، يفتح لي أبواب التأمل، ويمنحني فرصة اللقاء بذاتي الحقيقية، كلّما ضاقت بي الحياة
أظنّني لم أختر الحرف، بل هو مَن اختارني
ما الذي شكّل وعيكِ الإبداعي في البدايات؟ وهل هناك محطات أو أشخاص تركوا أثراً حاسماً في مسيرتك؟
- تشكّل وعيي الإبداعي من الحياة ذاتها؛ من الحزن، ومن تلك الصعوبات الصغيرة التي لا تُرى، ومن مزيج من التجارب والقراءات، وعلى رأسها القرآن الكريم الذي غرس في نفسي حبّ اللغة وعمقها الروحي. لم تكن المحطات التي صنعتني مجرد أماكن أو أشخاص، بل لحظات كثيفة من الألم والفرح والتأمل، لحظات أطلقت العنان لأفكاري لتتفتح وتنمو بصمت. الكتابة بالنسبة لي ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل فعل نجاة. نكتب لنحرر ذواتنا، لنُبقي أرواحنا حيّة وسط ما يمضي، ولنُشيد لأنفسنا عوالم نلجأ إليها حين تضيق الحياة
ما الدور الذي تلعبه اللغة القرآنية أو الصوفية في تشكيل نصوصكِ؟
- اللغة القرآنية بالنسبة لي ليست مجرد ألفاظ، بل هي بوصلة روحية تُضيء دروب المعنى، وتمنح نصوصي إيقاعًا خاصًا، وعمقًا متجددًا، وسكينة تُلامس القلب. أستلهم من جمالها وبلاغتها ما يوقظ الروح، وأمزجها مع النفَس الصوفي الذي يضفي على كتابتي صفاءً وتأملًا. من هذا التلاقي، يتولد انسجام بين الفكر والوجدان، ويغدو النص نافذة أفتح بها قلبي على عوالم أعمق من المعنى، وأقرب إلى جوهر الإنسان
تُعرفين بعمقك المدهش وبالنفَس التأملي في نصوصك. كيف يتقاطع الإيمان والتجربة الروحية مع الكتابة لديكِ؟
- الإيمان، بالنسبة لي، هو رحلة داخلية دائمة، تجعل من الكتابة لحظة تواصل صادق بين روحي، وذاتي، والكون من حولي
أكتب سواء في لحظات السكينة أو في أعماق أوجاعي، إذ يمنحني الإيمان صدقًا وحكمة تتجاوز حدود الكلمات، فتتحوّل الكتابة إلى نبضٍ ينبع من صميم التجربة الروحية.
لديكِ العديد من المخطوطات التي لم ترَ النور بعد. هل يمكن أن تحدثينا عن هذه الأعمال؟ ما طبيعتها؟
- لديّ العديد من المخطوطات التي لم ترَ النور بعد، وهي متنوعة بطبيعتها. تتراوح بين نصوص تأملية تعكس الواقع السوداني بكل تفاصيله من فقد، وحرب، وصراعات داخلية يعيشها الإنسان يوميًا. كما تشمل أعمالًا قصصية تسرد حياة الناس في السودان بصدق وشاعرية، تحاول أن تلتقط النبض الحقيقي للمجتمع وأحلامه
بالإضافة إلى ذلك، أعمل حاليًا على مشروع خاص بالقصص الموجهة للأطفال، لأنني أؤمن بأن أدب الطفل له دور كبير في بناء الوعي الثقافي والقيمي منذ الصغر. كل هذه الأعمال تنتظر الوقت المناسب لتكتمل وتنضج، ثم أشاركها مع القراء الذين أعتز بهم
ما هو النص الأقرب إلى روحك من بين أعمالك؟ ولماذا؟
- أقرب نص إلى روحي هو "في لحن العشق الإلهي: مرايا الوجد وأصداء الفناء"، لأنه لم يُكتب بالعقل، بل انسكب من الروح بصدق. هو حالة صوفية خالصة، فيها ذوبان في المعنى، وسكون في الحضور، وانمحاءٌ تام للذات أمام عظمة المطلق. شعرتُ وأنا أكتبه أنني لا أُنشئ الكلمات، بل هي تمرُّ بي، كأنني وسيلة فقط لوصول ما لا يُقال. هذا النص يمثّلني في لحظات التأمل والطمأنينة، وهو الأقرب إلى عالمي الداخلي الذي يتوق دومًا إلى السلام والحبّ الإلهي الخالص
بصفتك كاتبة سودانية، كيف تقرئين واقع الكتابة النسوية في السودان اليوم؟
- الكتابة النسوية في السودان تمرّ بمرحلة تحوّل، حيث بدأت تفرض حضورها بشكل أوضح، رغم التحديات الاجتماعية والثقافية التي لا تزال تقيّدها. هناك كاتبات يقدمن رؤى عميقة تعبّر عن تجارب النساء السودانيات في تنوعها، ويسعين لكسر الصور النمطية وفتح مساحات جديدة للبوح والتفكير. ومع ذلك، لا يزال الطريق طويلًا نحو بناء مشهد نسوي متكامل يُعبّر بصدق عن قضايا المرأة في مختلف البيئات السودانية
كيف أثّرت التحولات السياسية والاجتماعية التي يعيشها السودان في كتابتك؟
- الحرب علّمتني أن الكتابة ليست ترفًا، بل وسيلة للبقاء
التحولات المؤلمة جعلتني أكثر صدقًا، أقلَّ تجميلًا، وأشدَّ تعلقًا بالناس البسطاء الذين لا صوت لهم
أكتب عنهم، عن وجعهم، عن نجاتهم الصامتة
السودان، في أعمق لحظاته الإنسانية، حاضرٌ في كلِّ حرفٍ أكتبه
هل تعتقدين أن الكاتب اليوم يستطيع أن يكون شاهداً حيّاً على هذا الانهيار الوجودي والاجتماعي الذي نمر به؟
- نعم، بل يجب عليه ذلك. فالكاتب الحقيقي لا يمكن أن يكون محايدًا وسط الخراب. الشهادة ليست مجرّد تسجيل للحدث، بل هي مقاومة له. حين نكتب عن الألم، عن التشظّي، عن الانكسارات العميقة في أرواح الناس، فإننا نُوثّق ما لا يُرى. الكاتب هو الذاكرة التي لا تموت، هو صوت من لا صوت له، وهو الجسر بين ما يحدث وما ينبغي أن يُفهم
نصوصك تحمل بعداً فلسفياً وتأملياً عميقاً. ما المصادر الفكرية أو الروحية التي تستقين منها هذا النفس؟
- مصادري الفكرية والروحية متشابكة ومتجددة. أستقي من القرآن الكريم نور المعنى، ومن التصوف طهارة القلب وصفاء التأمل. أجد في الفلسفة الإنسانية تساؤلات تفتح أبوابًا داخلية لا تهدأ، وفي الأدب العالمي مرآةً لتجارب الإنسان الواسعة. تلك كلها روافد تُغذي روحي، وتشكل الحبر الذي أكتب به، حبرًا ينبض بالتأمل ويعكس عمق التجربة الإنسانية
في زمن السرعة والسطحية، كيف تصرين على الكتابة بهذا العمق والبطء الجميل؟
- أنا لا أكتب لأسبق أحدًا، ولا لألحق بإيقاع العالم المتسارع
أكتب لأن الكتابة فعلُ صدق، لا يُولد تحت الضغط، ولا يُنجز بعجلة
أكتب حين تنضج الفكرة داخلي، حين يتحوّل الصمت إلى كلام، وحين يكون للكتابة معنى لا يُستعجل
البطء في كتابتي احترامٌ للمعنى، وإنصاتٌ لصوت داخلي لا يُجامل
أما العمق، فليس ترفًا، بل هو طريقتي الوحيدة لفهم هذا العالم
وسط الضجيج، أبحث عن لحظة هدوء أقول فيها شيئًا يستحق أن يُقال
لذلك، أكتب ببساطة العميق، وببطءِ مَن لا يعنيه السباق
ما الذي تسعين لتحقيقه عبر كتابتك؟ وما الحلم الذي ما زال ينتظر التحقق؟
- لا أسعى فقط لأن تلمس كتابتي العقول، بل أن تخترق القلوب، توقظ في الناس ذواتهم الغائبة، وتُعيد إليهم القدرة على الشعور بالوجود الحقيقي
أريد أن تتحوّل كلماتي إلى نبضٍ حيّ، يرفض أن يموت في زحمة الحياة، أن تكون جسرًا يربط بين الأزمنة، بين الذات والكون، بين الحلم والواقع
حُلمي لا يُقاس بالشُّهرة أو الجوائز، بل برؤية أثرٍ صغير، ولو كان هامسًا، في نفوس من يقرؤونني
حلمي أن تظلّ كتابتي ملاذًا للصمت الصادق وسط الضجيج، وأن أستمرّ في الكتابة، حتى حين تُصبح حياتي نفسها حبرًا على ورق
أن تكتبني كلماتي كما أكتبها، في حوارٍ داخلي لا ينتهي، بل يمتدّ بهدوءٍ عبر الزمن
هل تفكرين في نشر أعمالك في طبعات ورقية قريباً؟ وهل لديكِ مشاريع للنشر أو التعاون مع دور نشر محددة؟
- ربما في المستقبل، حين أشعر بأن الوقت قد نضج، سأفتح باب النشر الورقي لأعمالي. في الوقت الحالي، أُركّز على صقل النصوص والوصول بها إلى حالة من الاكتمال الفني. لا أستعجل النشر، لكنني أرحّب بأي فرصة تعاون مع دور نشر تُقدّر روح النص وتحترم خصوصيته
ما الذي تريدين قوله لجيل جديد من الكاتبات والكتّاب الذين بدأوا للتو طريقهم؟
- أقول لهم: لا تتعجّلوا الوصول، ولا تغرّنكم سرعة الزمن. استمتعوا بكل لحظة في مسيرة الكتابة، فهي رحلة روح لا تُقاس بالنتائج فقط، بل بالصدق الذي تحمله الكلمة، وبالنضج الذي ينمو مع كل حرف تكتبونه. اكتبوا بقلوبكم قبل أقلامكم، واحتفظوا بصوتكم الخاص، فهو البصمة التي تميزكم عن سواكم، فلا تسمحوا لأي صوت أن يغتال هذا الصوت
وأنا، وإن كنت أعتبر نفسي واحدة منكم، لا أزال أبحث عن طريقي وأتعلّم. فكتابة الحياة ذاتها رحلة مستمرة لا تنتهي، وأظنّ أن الصدق مع الذات هو جوهرها الحقيقي.
ختاماً .. كيف ترين علاقتك بالقارئ؟ وما نوع القارئ الذي تحلمين أن يصل إلى كتاباتك؟
- علاقتي بالقارئ هي علاقة حياة، أرى فيها انعكاس روحي وامتدادًا لأفكاري. ليست مجرد كلمات تُقرأ، بل نبض يتشارك بين كاتب وقارئ، حيث تتحول النصوص إلى جسور تعبر عبرها أرواحنا إلى عالم أعمق من الفهم والتجربة
- القارئ الذي أحلم به هو ذلك الإنسان الذي يقرأ بين السطور، يتلمّس الصمت بين الكلمات، ويجد في نصوصي مرآة لألمه وأحلامه
شخص لا يبحث عن الترف الأدبي فحسب، بل عن صدق يعانقه ويغنيه، قارئ يُحبّ أن يغوص في أعماق المعنى، ويرى في الكتابة متنفسًا لحياته الخاصة
هو ذاك الذي لا يكتفي بالسطح، بل يستشعر الإيحاءات، ويُحسّ نبض الروح في كل حرف، ويغادر الصفحة بشعور بأنه وجد رفيقًا صادقًا في رحلة الحياة